كلانا مظهرٌ للناس بغضًا ... وكل عند صاحبه مكين
وأسرار الملاحظ ليس تخفي ... إذا نطقت بما تخفي العيون
فخر مغشيًّا عليه ثم أفاق فاقدًا عقله، فكان لا يلبس ثوبًا إلا خرقه ولا يمشي إلا عاريًا ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله، فإذا ذكرت له ليلى أنشأ يحدث عنها عاقلًا ولا يخطئ حرفًا، وترك الصلاة، فإذا قيل له: ما لك لا تصلي! لم يرد بحرفًا، وكنا نحبسه ونقيده، فيعض لسانه وشفته، حتى خشينا عليه فخلينا سبيله فهو يهيم.
وعن هشام ابن الكلبي عن أبيه: أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم، وقالوا له: إن هذا الرجل لهالكٌ، وقبل ذلك ففي أقبح من الهلاك بذهاب عقله، وإنك فاجعٌ به أباه وأهله، فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك، فوالله ما هي أشرف منه، ولا لك مثل مال أبيه، وقد حكمك في المهر، وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف بالله وبطلاق أمها إنه لا يزوجه إياها أبدًا.
وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحدٌ من العرب، واسم ابنتي بميسم فضيحة فانصرفوا عنه، وخالفهم لوقته فزوجها رجلًا من قومها وأدخلها إليه، فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذٍ وزال عقله جملةً، فقال الحي لأبيه: أحجج به إلى مكة وادع الله عز وجل له، ومره أن يتعلق بأستار الكعبة، فيسأل الله يعافيه مما به ويبغضها إليه، فلعل الله أن يخلصه من هذا البلاء، فحج به أبوه.
فلما صاروا بمنى سمع صائحًا في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخةً، ظَنّوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشيًّا عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللوان ذاهلًا، فأنشأ يقول: