فلما سَمِع البيتين شهق شهقةً شديدة وأغمي عليه، فمكث على ذلك ساعةً، ونضحوا الماء على وجهه " حتى أفاق " وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل مبلغ.

ولما شُهِرَ أمر المجنُون وليلى وتناشَد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقةً حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيلي، وبذل لها عشرًا من الإبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيروها بينكما، فمن اختارت تزوجته، ودخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختاري وردًا لنمثلن بك، فقال المجنون:

ألا يا ليل إن ملكت فينا ... خيارك فانظري لمن الخيار

ولا تستبدلي مني دنيًا ... ولا برمًا إذا حب القتار

يهرول في الصغير إذا رآه ... وتعجزه ملماتٌ كبار

فمثل تأيم منه نكاحٌ ... ومثل تمؤلٍ منه افتقار

فاختارت وردًا فتزوجته على كرهٍ منها.

وعن عثمان بن عمارة بن حريم المري قال: خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون، فدللت عليه وعلى محلته، فلقيت أباه شيخًا كبيرًا وحوله إخوةٌ للمجنون مع أبيهم رجالًا؛ فسألتهم عنه فبكوه، وقال الشيخ: أما والله لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعًا، وإنه عشق امرأةً من قومه والله ما كانت تطمع في مثله، فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما، فزوجها غيره، وكان أول ما كلف بها يجلس إليها في نفرٍ من قومها فيتحدثون كما يتحدث الفتيان، وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب، فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضةً، فتعرض عنه وتقبل على غيره، وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه، فظنت به ما هو عليه من حبها، فأقبلت عليه يومًا وقد خلت فقالت:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015