حتى بعد مماته، فظل ممتطيًا صهوة جواده، مرتكزًا على رمحه السمهري، وأمر الجيش بأن يتراجع القهقرى وينجو من بأس الأعداء، وظل في وقفته تلك حاميًا ظهر الجيش والعدو بصر الجيش الهارب لكنه لا يستطيع اللحاق به لاستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه حتى نجا الجيش وأسلم عنترة الروح باقيًا في مكانه متكئًا على الرمح فوق جواده الأبجر. وبعض المقارنين يَرون في ذلك ما يذكرهم بميتة "رولان" في الملحمة المسامة باسمه.
وشعر عنترة رجع مباشر لمعاناته النفسية، يمتلئ بالحديث عن شمائله وأخلاقه الكريمة، ومعلقته ترسم صورة خلقية كاملة له، ففيها يتحدث عنترة عن وقائعه، وينعت نفسه بأجمل الأوصاف، مظهرًا أخلاقه وكرمه، وكريم فعاله وبطولاته، ويظهر في كثير من أبيات القصيدة أثر الصراع العنيف بين حب عنترة لعبلة وسواد لونه صحة نسبه، فقد ظلمته القبيلة وتنكرت له الحبيبة فتسامى في خلقه وفي حبه، وتغلب على جروحه وآلامه، فأخذ يردد على مسامع عبلة مكارمه ويظهر له مواقفه في مبارزة الأبطال.
هذه هي صورة عنترة كما صورها لنا التاريخ، فهي صورة شاعر فارس لا تتعدى فروسيته نطاق القبيلة، أما في السيرة الشعبية التي تحمل اسمه، فقد ارتفع شأنه إلى أن أصبح نموذجًا أدبيّا، ممثلًا لكل ما هو عربي نبيل؛ بل إنه وهو الوثني قد صار بطلًا للإسلام إذ استحالت السيرة معرضًا للتاريخ العربي قبل الإسلام وبعده، وما وقع فيه من أحداث خطيرة لمدة خمسمائة عام تقريبًا من الصراعات القبيلة، إلى الكفاح ضد احتلال الأحباش اليمن، إلى خضوع بلاد العرب للحكم الفارسي، إلى انتصار القوة الإسلامي الصاعدة على الفرس، إلى الصراع بين الفرس والروم، إلى انتشار الإسلام في شمال إفريقيا فضلًا عن الحروب الصليبية.