بن زهير فينا، وكان حازمًا فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم، وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره.
وقيل لعنترة: أأنت أشجع العرب وأشَدُّها؟ فقال: لا، فقيل: فلماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل إلا موضوعًا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
وهذه الآراء تؤكد اقتران الحيلة والحنكة في فن الحرب أو عند عنترة وأقران في عصر السيف والرمح والفروسية، ولا مراء في أن عنترة كان أشهر فرسان العرب في الجاهلية وأبعدهم صيتًا وأسيرهم ذكرًا وشيمًا، وعزة نفس، ووفاء للعهد، وإنجازًا للوعد، وكان عنترة ابن لأب من أشراف القوم وأعلاهم نسبًا؛ لكن محنته جاءته من ناحية أمه الأمة، ولم يكن ابن الأمة يلحق بنسب أبيه إلا إذا بَرّز وأظهر جدارته واستحقاقه للحرية والعتق والشرف الرفيع، وهذا ما حصل في حال عنترة الذي اشترى حريته بسيفه وترسه ويراعه، وأثبت أن الإنسان صانع نفسه وصاحب مصيره بغض النظر عن أصله وفصله وجنسه ولونه وشكله.
وقد كانت عبلة وظلت الأثيرة في حياته وحتى مماته، وقد انتهت حياة البطل عنترة بعد أن بلغ من العمر عتيّا، ويشبه في رواية من الروايات المشهورة ميتة "أخيل"، بوصفه فارسًا يُقاتل في التسعين من عمره، ومات مقتولًا إثر رمية سهم، كما أشرنا قبل قليل.
وكان "لامرتين" الشاعر الفرنسي معجبًا بتصوير السيرة الشعبية لميتة عنترة، الذي ما أن أصيب بالسهم المسموم، وأحس أنه ميت لا محالة حتى اتخذ خطة المناضل