ويأتي "فاوست" آثامًا يعتريه فيه من الذم، ويكون هذا بمثابة تكفير عن سيئاته وآية عن روح الخير فيه في المسرحية الأولى. فلم يكسب الشيطان الرّهان الذي عقده مع الله على إغواء "فاوس" في المنظر الثاني من المسرحية الأولى، ويظل في هذا النوع من الآثام والسلوك طوال هذه المسرحية الأولى، وهي التي تنتهي بنجاة "مارجريت" منه ومن روح الشّر، بعد أن حاولا معًا إخراجها من السجن؛ ففضلت البقاء في السجن، والبعد عن حبيبها على الخروج مع روح الشر المصاحب لـ"فاوست".
وفي المسرحية الثانية التي تسمى "فاوس" الثانية وهي استمرار للأولى، يظل "فاوس" مُنغمسًا في تجارب الحياة التي يغني بها مشاعره، ويهتدي بها إلى أن الحقيقة المجردة فوق قدرة العقل المجرد، ويَتعرف على "هيلين" رمز الجمال الخالص؛ فيهتدي عن طريقها إلى الخير، وهو غَاية ما يستطيع المرء الوصول إليه بعواطفه الإنسانية، وروحه الصافية؛ فقضية فاوست هي إخلاس العقل الخالص، ووجوب إغناء المعاني الإنساني عن طريق المشاعر، والخوض في تجارب الحياة؛ لتطهر روح الإنسان، وتصبح سامية في طبيعتها الخالصة بتفضيل عمل الخير عن طريق البقاء في نطاق التفكير الفطري، والعقل الخالص، وتلك قضية رومانتيكية عامة يتبلور الموقف حولها في مسرحتي "فاوست".
وعلى بُعد ما بين موضوع مسرحتي فوست السابقتين، وبين مسرحية "شهر زاد" للأستاذ توفيق الحكيم، وعلى بعد ما بين المسرحيتين كذلك في طرق المعالجة وجوهرها، نَرَى القضية نفسها هي محور الموقف العام في المسرحية الأستاذ الحكيم، نراه أول ما نراه قد شبع من الجسد، واشتاق إلى معرفة الحقيقة المجردة بعقله لا بعاطفته، تلك الحقيقة التي يتخذ "قمرزاد" رمزًا لها.