ولا نقْصِدُ أنْ نُقَلّل من القيمة الفنية في هذا المنزع الرمزي لمسرحيات الأستاذ الحكيم، فقد أغنا أدبنا الحديث في جوانب الحوار والمعاني ودقة المسلك الذهني؛ لما لا نزال نفتقر لمثله حتى اليوم، ومن حسن الحظ أن الأستاذ توفيق الحكيم قد رجع عن نظريته الرمزية تلك في نقده وإنتاجه الأدبي فيما بعد.

وقد تتبع بعض الدارسين حديثًا صور هذه المواقف المسرحية؛ فأوصلها إلى أكثر من مائتي ألف موقف، ويُمكن تتبع نظائرها في القصة، ولا يهمنا هنا الاستقصاء، وهذه المواقف كلها جديدة في جنس المسرحية والقصة في أدبنا الحديث، وهي لذلك تحتاج إلى تقديم جدي في أسسها وفي ما تدل عليه من صنوف التأثير.

وكثيرًا ما يكون هناك تأثير وتأثر بين عملين أدبيين من ناحية الموقف، وقد يكون التأثر في نفس الاتجاه، ولكن على الناحية الأخرى قد تبدو الصلة بين الموقفين في التأثر الأدبي في صورة عكسية.

ونَضْرِبُ مثلًا لذلك: بالموقف العام في مسرحية "فاوس لـ جوته" ومسرحية شهرزاد للأستاذ توفيق الحكيم؛ فالموقف العام من مسرحية "فاوست" يتمثل في تصوير التردد بين العقل والقلب، ومنذ مطلع المسرحية الأولى من مسرحيته "فاوس" نرى فاوس شقيًّا بعقله لم يستطع أن يتذوق طعم السعادة أو لذة المعرفة فييأس ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل على رؤية مباهج الربيع، ويخوض في نشدان السعادة عن طريق إغناء مشاعره، والانغماس في تجارب حيوية مختلفة ورحلات متعددة، يُصاحبه فيها روح الشرّ "مفست فوليس".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015