ويظل سائرًا في طريق التجرد من عاطفته، ينشد الهداية في فكره فحسب، مترددًا في طريقه أحيانًا، على الرغم من عزمه على السير فيه، ثم لا يلبث الهدوء الذهني أن ينكشف عن الإخفاق، بعد أن أصم أذنيه عن نداء شهرزاد المتكرر له، بأنّ المرء لا يعيش فكرًا خالصًا، وأن العقل لا يكفي المرء في الحياة، فيفقد في طريق المعرفة التجريدية نفسه؛ لأنه فقد آدميته، ويصبح كالشعرة التي أصابها بياض الشيخوخة، فلم يعد لها علاج سوى الاقتلاع.
وبذلك يكون شهريار قد سار في الطريق المقابل لما سار فيه "فاوست" ولكنهما كليهما أمام موقف، واحد وقضية واحدة، يُبرهن مسلكهما على صحتها، إخفاقًا في حالة شهريار، أو نجاحًا في حالة "فاوست" ونكرر أن بين المسرحيتين بونًا شاسعًا، في أمور كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها على الرغم من الصلة الأدبية الواضحة في الموقف العام فيهما.
والآن إذا ما أردنا أن نجمع أطراف الموضوع معتمدين على ما كتبه الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه (الأدب المقارن) فسوف نجد أن الكتاب أو الشعراء في المسرحية أو القصة، إنّما يُصَوّرون عالمًا صغيرًا يقتطعونه من العالم الكبير، وفي هذا العالم الصغير لا يمكن أن يظهر الإنسان معبرًا عن سواه، إذا توفرت له الحياة الغنية، شأنه في ذلك شأن الإنسان في العالم الكبير.
فمثلًا: شخصية "عطيل" في مسرحية "عطيل" لشكسبير لا نفهم من سلوك عطيل وحده ولكن نفهم من خلال "ياجو وديدمونه" ووالدها "برابانتيو" وعلى الرغم من أن عطيل هو محور المسرحية؛ فهو مشترك معه في الموقف الذي يربط بينهما، وكل شخص في المسرحية تسير الشخصيات على حسب طبيعته الدائمة المتشابكة نحو المصير، ولكن في حدود الوظيفة التي تبين عنها صلاتها مع