قلناه: أنه يمكن أن تمثل بأكثر من ذلك، وقد يمثل شخص واحد أكثر من قوة منها، وقد يُحذف بعضها فيزيد التصوير الفني روعة وقوة، متى توفر الإحكام الفني في البناء المسرحي أو القصصي.
وكُلما تعقدت الشخصيات نفسيًّا -أي بعدت عن السطحية والضحالة- جمعت بين أكثر من قوة منها، فمثلًا: هاملت هو بطل الموقف في مسرحية شكسبير، وهو يُمَثّل القُوة الأولى والثانية والثالثة والخامسة من القوى الدِّرامية، ذلك أنه طالب للغاية، وفي داخله ذاته أكبر عائق يمنعه من الوصول إليها؛ ثم إنّه يَنْشُد هذه الغاية في نفسه فهو يرجوها ويحرص عليها ويخافها ويرغبها، وهو كذلك الحكم فيها في تردد بالغ مداه في العمق، وفي هذا غنيت معانيه النفسية وتعددت ودقت مسالكها.
وعلى عكس ذلك إذا تفتت القوى في صورة رموز؛ فإن المسرحية تفقد قوتها الدرامية، لأنّ رَوابطها الحيوية تُصبح أقرب إلى التجريد، فمثلًا في مرحلة ولوع الأستاذ توفيق الحكيم بالمسرح الرمزي كان يقصد إلى تجريد شخصياته، كما يقول هو في مقدمة مسرحية "بيكماليون" عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين. إذ قال: أقيمُ اليوم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارًا تتحرك في مطلق المعاني مرتدية أثواب الرموز؛ فمثلًا في مسرحية "شهرزاد" يجعل العبد رمزًا لقوة الجسد، والوزير قمر رمزًا للعاطفة، وشهريار رمزًا للفكر الخالص.
وعلى الرغم من قوة الحوار الذي ينفرد به الأستاذ توفيق الحكيم، وطرافة المعاني ودقة الاختيار للموضوع والأفكار، وشفافية ذلك كله عن موقف ذهني دقيق في أسلوبه الممتع على الرغم من ذلك كله تفقد المسرحية بنيتها الدرامية، وحركتها الحيوية وقوتها في الإقناع.