ويُحَذِّر منها، فقد صور "راسين" العاطفة قوية طاغية في قلب "فدر" ولكنه يشرح المعنى الخلقي لها التصوير بقوله: في هذه المسرحية لم أجل أمام العيون شهوات النفوس إلا لأبين كل ما ينتج عنها من اضطراب، وقد صورت الرذيلة في كل أجزائها، في سورة ذات أسمار تبرز قبحها، وتجعلها بغيضة إلى الناس، وهذه هي الغاية الحق التي يجب أن يرمي إليها كل إنسان يعمل للجمهور. وكان في هذه الغاية هي الهدف الأول للشعراء المسرحيات القدامى، فكان مسرحهم مدرسة للفضيلة، لا تقل عن مدارس الفلاسفة.

وفي هذا نرى أن العواطف كانت عند الكلاسيكيين أهواء لا يعرضونها في أدبهم الارستقراطي إلا في صورة تنفر منها، ولكن سرعان ما صارت في أدب القرن الثامن عشر نفسه دعامة المشاعر النبيلة، وطريقًا إلى الفضيلة، ومتنفسًا لذوي القلوب، فتفيض عيونهم بالدموع رقة وحنانًا، أو وجدًا وأسى.

وكانت هذه الدموع في الأدب الكلاسيكي آية ضعف، لا يجمل بأبطالهم أن يذرفوها خذ مثلًا لذلك بطلًا كلاسيكيًّا يُفضي إلى صاحبه بمكنون حبه، وبما انتابه من ضعف؛ حتى كادت تسيل منه الدموع، فيقول له صاحبه مغضًا: دموع! أولى أن يذوق الأعداء حتفهم على يديك الباسلتين دموع! أو يتحكم فيك الألم إلى هذا الحد، ولم يكن النظارة في العصر الكلاسيكي يبحون أن يروا هذه الدموع في عيني بطل من أبطال مسرحياتهم.

ثم سرعان ما حال العهد، ودار الزمن وتغيرت معه الأذواق، وها هم أولاء النظارة يشهدون مسرحية عام ألف وسبعمائة وخمسة وثلاثين، يرون فيها امرأة تهرب من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015