انتشار التعليم والطباعة واتساع دائرة القراء بحيث شملت أوساط المتعلمين وصغارهم والعامة أيضًا؛ فكان لا بد من أسلوب يسهل فهمه ومتابعته؛ حتى على القارئ العادي.
ثم إنّ دخول الصحافة إلى الميدان، وما ترتب على ذلك من وجوب مراعاة الكتاب لعامل السرعة، حتى يستطيعوا ملاحقة المطبعة، وتغذية الصحف يوميًّا بحاجتها إلى المقالات والقصص، والتحقيقات والدراسات، قد دفعهم حثيثًا إلى العمل على التخلص من الأسلوب البديعي القديم، الذي كان يَحتاجُ إلى تروية وعصر ذهن، ومعرفة بدقائق الألفاظ والصيغ ومتعثكل التراكيب، ونحن نعرف أن الصحافة بالوضع الذي نعرفها الآن عليه هي استيراد عربي من الدول الأوروبية. وكان الأدب العربي القديم كله يُكتب باللغة الفصحى شعرًا ونثرًا اللهم إلا الخرجات العامية لبعض الموشحات الأندلسية، وإلا الزجل وما إليه. أما النثر؛ فلا أستطيع أن أذكر منه شيئًا ذا بال، سوى أنّ أسَامة بن منقذ في ترجمته لنفسه في كتاب "الاعتبار"، كان يخلطُ الفُصْحَى بالعامية أحيانًا، إذ كان يملي كتابه شفاهًا، ولم يكتبه بيده، وإلا فإن مؤلفاته الأخرى التي سجلها بقلمه، ولم يملها على أحد قد كُتبت كما كتب النثر العربي كله في تلك الأزمان بالعربية الفصيحة.
ومع ذلك لم يحدث أن دعا أحدٌ تحت أي ظرف، أو لأي سبب إلى نبذ الفصحى وإحلال العامية محلها، وظل هذا هو الوضع حتى العصر الحديث، ووقوع معظم البلاد العربية في قبضة الاحتلال الأوروبي، وقدوم المستشرقين إلى بلادنا للعمل والإقامة؛ فعندئذ ظهرت الدعوة إلى استبدال العامية بالفصحى في الكتابة والأدب، بذريعة أن ذلك أصدق في التعبير عما بالنفوس، وأن العامية أقدر على