كذلك فهو يقتطف من شعر شوقي قوله في مسرحية "مصرع كليوبترا" على لسان "أنطونيوس": "إنه لن يظهر في قصر كليوبترا قبل أن ينتقم لهزيمته في موقعة "أكتيوم" البحرية:
آلى وأقسم أنه لا يرى في قصرها ... حتى يُقَوَّم مجده المنهار
إنّ البلاء أجَلُّ مِن ألا يُرى ... عجبًا أتخفى في الهشيم النار"
فهذه الصورة الأخيرة التي يقول فيها: "أتخفى في الهشيم النار" التي تعد شيئًا طريفًا في العربية، هي صورة جد مألوفة في الفارسية، وقد انتقلت منها إلى التركية التي كان شوقي يعرفها. ومثل ذلك قول شوقي أيضًا على لسان "أنوبيس" من نفس المسرحية: "وأنتن والناس قد تلتقون، ففيكن شر وفي الناس شر". إذ قال هلال ما معناه: أنّ الالتقاء بين شيئين بمعنى تشابههما، لم يكن معروفًا في العربية من قبل، على عكسه في الفرنسية، التي تستعمل الفعل " souronkontra " في هذا المعنى استعمالًا حقيقيًّا لا مجازيًّا، وكان شوقي كما نعرف جميعًا قد درس الحقوق في فرنسا؛ فأتقن لسانها وكان يقرأ به.
وفي هذا السياق نَرى هلال يتذكر ما دار بين الدكتور طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، من مُلاحاة حين عاب الأول أسلوب الأخير، ورماه بالتكلف والتصنع والعنت؛ حتّى لقد وصفه بأنه يعاني في تأليف كتبه آلام الوضع، مع أن تلك العبارة في الفرنسية -كما يقول الدكتور هلال- لا تستعمل في مجال التهكم والزراية، بل في الدلالة على شدة اهتمام الأديب بصياغة أسلوبه، كي يجيء أسلوبًا رصينًا مُحكمًا، وهو ما قاله "فلوبير" عن نفسه. وما أشَارَ إليه هلال من أنّ "فلوبير" كان يَبذُل جهدًا مضنيًا للفوز بالكلمة والعبارة التي يريد، هو كلام صحيح، وكان "فلوبير" يقضي في بعض الأحيان أسبوعًا