كاملًا من أجل اقتناص كلمة واحدة، لا يستريح حتى يفوز بها، وقد وصف كاتب مادة "فلوبير" في موسوعة "لاروس" المشباكية الفرنسية بأنه صنيعي أسلوب "أرتيزون دستيل" كما ساق التشبيه الذي شبه "فلوبير" به نفسه أثناء تعاطيه الكتابة، وما يلقاه فيها من إرهاق في سبيل العثور على الكلمة المناسبة فقال: "إنه كان يشبه نفسه بالبقرة في حالة المخاض".
وما أشار إليه هلال يدل على أن الصورة المستعارة -أية صُورة مُستعارة- قد تدلُّ في بيئتها الجديدة على عكس ما قصد صاحبها الأصلي، على ما رأينا معا الآن، على أنّ المَسرحية لَما تتم فصولًا؛ فقد جاء رد الرافعي على طه حسين صاعقًا ماحقًا مفحمًا إذ لما سخر طه حسين من أسلوبه قائلًا: إنه يذكره بامرأة تلد ولادة عسرة، كان رد الرافعي الذي استفزته هذه السخرية مفحمًا، إذ طلب منه أن يحاول مثل هذه الولادة وسوف يتكفل بأن يحضر له المولدة، ويدفع عنه أجرتها أيضًا. ووصف كاتب مادة "فلوبير" في النسخة الإنجليزية من الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" الجهد العنيف المرهق الذي كان يبذله "فلوبير" في صياغة أسلوبه، وإن لم يُشر إلى الصورة الطريفة التي استعملها طه حسين للسُّخرية من أسلوب الرافعي، مستعيرًا إياها من "فلوبير" حسبما ذكر محمد غنيمي هلال، بل ذكر فقط رشح جبهته على الدوام بالعرق الغزير.
وإذا كان الدكتور هلال قد اقتصر في كلامه في هذا الموضوع، أو كاد أن يقتصر على الصور البيانية وما إليها من عناصر وأسلوب، فإن الأسلوب أوسع من هذا كثيرًا جدًّا؛ إنه اللفظة والصيغة والتركيب والعبارة والصورة.