ويمضي الدكتور عبد الرحمن بدوي فيوضح كيف استخدم الشعراء "التروبادور البروفانساليون" الأوائل أقدم قوالب الزجل الأندلسي. كما يظهر في شِعر أول شاعر "تروبادور بروفنساري" وهو "جيوم التاسع" "دوقو أكيتانيا" الذي يُعَدّ أولَ شاعر في اللغات الأوروبية الحديثة، والذي بقي من شعره إحدى عشرة قصيدة، من بينها خمس كتبت بعد سنة ألف ومائة واثنتين للميلاد، وتتألف كل منها من فقرات تشبه في قالبها فقرات الزجل، من حيث تأليفها من ثلاثة أشطار متحدة القافية، يتلوها أشطارٌ من قافية واحدة في كل الفقرات.
كما نجد هذا النمط من النظم أيضًا عند شاعرين "تروبادوريين" قديمين آخرين هما: "ثرماكون" و"ماركابرو" اللذان عاشا في النصف الأول من القرن الثاني عشر، ثم انتشر هذا النمط من النظم في الشعر الشعبي في أوروبا، وفي الشعر الديني الذي ألفه الأدباء "الفرانسيسكان" في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وفي أغاني "الكرنفالات" في "فيرنيتسا" في القرن الخامس عشر. ويَسْتمِرُّ الدكتور بدوي قائلًا: "إنّ الشُّعراء المتعلمين في إسبانيا نفسها قد ظلوا يستخدمون أنماط النظم على طريقة الأزجال العربية، ومنهم: "ألفونس" الحكيم في القرن الثالث عشر، ورئيس القساوسة في "هيتا" في القرن الرابع عشر و"فياسيندينو" و"خوانتلالفينا" في القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر. ولم يقتصر الأمر على طريقة النظم بل امتد التأثير العربي في نشأة الشعر الأوربي أيضًا إلى طريقة علاج الموضوعات؛ ففكرة الحب النبيل التي تسود الغزل في الشعر "البروفينسالي" نجد أصلها في الشعر الأندلسي وكذلك في أزجال ابن قزمان، كما يؤكد هذا "بلنديف بيدال" أشد الباحثين حماسة في توكيد تأثير الموشح والزجل في نشأة الشعر الأوربي في نهاية العصر الوسيط.