وإذًا فلا يقتصرُ التأثير على بعض الموضوعات، مثل: المُغَامرات الغرامية الشائكة أو الفاضحة، والإهداء إلى حام، وافتخار الشاعر بنفسه كما اقتصر على ذلك "ألفريد جانوا" في كلامه عن تأثير الشعر الأندلسي العربي في شعر الشعراء "التروبادور" الأوائل، بل امتد في نظر "بيدال" إلى جوهر هذا الشعر "التروبادوري" وهو فكرته في الحب النبيل. إذ يرى "بيدال" أنّ هَذه الفكرة قد عرضها ابن حزم في (طوق الحمامة) وأنها كانت فكرة سائدة عند أهل الظاهر في نظرتهم إلى الحُب، فقد كانت موجودة قبل ذلك في كتاب (الزهرة) لابن داود الظاهري صاحب الدعوة إلى الحب العذري، المتوفى سنة مائتين وسبع وتسعين للهجرة، وكذلك نجد هذه الفكرة في الشعر الحَكمي الأول المتوفى سنة اثنتين وست. وفي شعر ابن زيدون الذي يقول مثلًا في وَلَّادة:
تِه أَحتَمِل وَاِستَطِل أَصبر وَعِزَّ أَهُن ... وَوَلِّ أُقبِل وَقُل أَسمَع وَمُر أَطِعِ"
وممن تناول هذه القضية أيضًا: دكتور عبد النبي سطيف الذي يوضح بدوره في كتابه (الموشحات الأندلسية وأثرها في الشعر الغنائي العربي) كيف كان شعراء "التروبادور" الذين ينتمون إلى إقليم "البروفانس" في جنوب فرنسا صلة الوصل بين الشعر الغنائي الأوروبي، والشعر العربي الأندلسي، ولا سيما موشحاته وأزجاله، وكان "جيوم التاسع" أول من عرف من شعراء "التروبادور" الذين تأكدت صلتهم بالموشحات الأندلسية، وتُعَدّ حياته مفتاح البحث عن الصلة العربية الأوروبية في ميدان الشعر الغنائي. وقد اتصلت حياة أول الشعراء "التروبادور" بالحضارة الإسلامية اتصالًا مباشرًا في جنوبي فرنسا، وفي أسبانيا، وفي المشرق العربي، وكان صوتًا معبرا عن واقع مجتمعه في عصره، ومنفتحًا على الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، وقد