وفي كتابه (الأدب المقارن) يوضح الدكتور محمد غنيمي هلال موضوع تأثر شعراء "التروبادور" بالموشحات والأزجال، سواء في مضمون قصائدهم أو في نظامها الموسيقي قائلًا: "إنّ شُعراء "التُّروبادور" كانوا يعيشون في بلاط الملوك والأمراء، ويتَغَنَّون بالحُبّ على نحو يذل فيه المحب لمحبوبته، ولا يَجِدُ في ذلك ما ينال من عزة نفسه، وإنه لوحظ أنهم يبنون قصائدهم في المتوسط من سبع مقطوعات كما يفعل الوشاحون، وهو العدد الغالب على الموشحة.
كذلك نجد في تلك القصائد ما يقابل المطلع والغصن والقفل في الموشحات، كما أن المصطلح الذي يطلق على مجموع الغصن والقفل معًا هو "البيت" بالضبط مثلما هو الحال في تلك الموشحات والأزجال، ثُم إن نظام القافية في شعر الشعراء "التروبادور" يسير على نفس المنوال، الذي تسير عليه القافية في ذينك الفنين. وبالمثل يقابلنا في غزلهم شخصية الرقيب والواشي، والعاذل والحاسد والجار، وكذلك الرسول الذي يستخدمه في مهمته خاتمًا كما في الموشحات والأزجال، فضلًا عن استعمال ضمير المذكر للحبيبة في كثير من الأحيان، وإخفاء اسم المحبوب، والتكنية عنه بسيدي، أو مولاي أو منيتي وما أشبه، كما يُقابلنا في شعر "التروبادور" معان تنتشر في الموشحات والأزجال، مثل: الحب الذي ينشأ من أول نظرة، والشكوى من قسوة الحبيبة، وشعور المحب بآلام الجوى التي تمنعه الرقاد، وتسبب له السقام والهزال، وكذلك خضوع المحب لحبيبته خضوعا تامًّا.
وفوق ذلك، فقد استحال الغَزَلُ في الموشحات والأزجال غزلًا صوفيًّا؛ فتحول من الحب الإنساني إلى الحب الإلهي على يد الشاعر والزجال الأندلسي الششتري وهو من رجال القرن السابع الهجري، وكان للششتري تأثير كبير على معاصره الإسباني "ريمون لول" الذي كان يعرف العربية معرفة جيدة، والذي نظم كثيرًا من المناجيات الغرامية الرمزية تغنيًا بالجمال الإلهي".