وقد تعرض العقاد -رحمه الله- إلى موضوع تأثير الموشحات والأزجال على الشعر الغربي، فذكر ما قاله "دانتي" من أنّ نظم الشعر بالعامية قد شاع في إقليم "بروفانس" حيثُ يلتقي الأمم اللاتينية في الجنوب، فانتشر من ذلك الإقليم أولئك الشعراء الجوالون، الذين عرفوا باسم "التروبادور" المأخوذة من طرب أو طروب في رأي بعض المستشرقين.

والذي يقال: إن اسم "تِنْزُون" الذي يُطلق على شعرهم مأخوذ من كلمة تنازع؛ لأنهم كانوا يلقون الشعر سجالًا يتنازعون فيه المفاخر والدعاوى، بالإضافة إلى ما لوحظ من شبه شديد بين أوزان هذا الشعر، وأوزان الزجل الأندلسي، وما وُجِدَ في أشعار الأوربيين بشمال الأندلس من كلمات عَربية، وإشارات إلى بعض العادات الإسلامية، كتخميس الغنائم، واختصاص الأمير بالخمس منها. كذلك لمس محمد مفيد الشوباشي في كتيبه (العرب والحضارة الأوربية) هذا الموضوع، فأشار إلى أن من درسوا الأدب الأوربي وتطوره قبيل العصر الحديث، يلاحظون أن الشعراء "التروبادور" هم الذين أحدثوا أكبر أثر فيه، فتبدلت حالهم كل التبدل، وعرف السبيل القويم على حد تعبيره.

لقد كانت أشعار هؤلاء الشعراء الجوالين الذين ظهروا في أسبانيا، خلال القرن العاشر الميلادي -على ما يبدو- لونًا من الزجل العربي تطور ودخلت عليه كلمات أسبانية، إلا أنه لم يفقد خصائص الشعر الأندلسي حسبما يقرر الشوباشي، الذي يستند في كلامه هذا إلى ما كتبه بعض من تطرق إلى ذلك الموضوع من الكتاب الأوروبيين كـ"إيميل هنري" و "بريفو بريبري" والذي يؤكد أن تأثير الشعراء "التروبادور"، قد انتقل بعد هذا إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، وإن لم يدخل في تفصيلات القضية، اللهم إلا في رده على بعض من ينكر من الأوربيين ما تدين به أشعارهم قبل عصر النهضة إلى الشعر العربي في الأندلس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015