ثم تفرقوا في البلاد في صعيدكم ومدائنكم، حتى يفرج الله؛ فإن القوم يطلبونني ولو أصابوني لهَوْا عن غيري، فقال له إخوته، وأبناؤه، وأبناء إخوته وأبناء عبد الله بن جعفر: لم تفعل هذا؟ لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدًا، فقال الحسين: يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: وما نقول للناس؟ نقول: تركنا شيخنا وسيدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولا نضرب بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله لا نفعل ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك، حتى نَرِدَ موردك فقبح الله العيش بعدك. وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نتخلى عنك ولم نعذر إلى الله في أداء حقك، أما والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، والله لو لم يكن معي سلاحي لقذفتهم بالحجارة دونك؛ حتى أموت معك وتكلم أصحابه بنحو هذا فجزاهم الله خيرًا. وسمعته أخته زينب تلك العشية وهو في خباء له يقول، وعنده مولى أبي ذر الغِفَاري يُعَالِجُ سيفه:

يا دهر أف لك من خليل ... كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل ... وكل حي سالك السبيل

فأعادها مرتين أو ثلاثا؛ فلما سمعته لم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها، حتى انتهت إليه ونادت: وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، والحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي، فذهب فنظر إليها وقال لها: يا أخية، لا يذهبن حلمك الشيطان. قالت: بأبي أنت وأمي استقتلت، نفسي بنفسك الفدا فردد غصته وترقرقت عيناه ثم قال: لو ترك القطا ليلًا لنام. فنفضت وجهها وقالت: وا ويلتاه! أفتغصبك نفسك اغتصابًا، فذلك أقرح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015