مصاف العظماء، ذَلكَ أنّ منهجيته في فن التاريخ تعكس نظرة مطلقة أهلته لإدراك حقيقته الخفية، ومعناه البعيد".

وفي الوقت الذي ارتقى فيه الفكر الخلدوني إلى مستوى عال في فلسفة التاريخ، عكف بعض المؤرخين أمثال الطبري والمسعودي وابن الأثير وغيرهم، على دراسة التاريخ على أساس أنه سجل للحوادث والوثائق، وهكذا يتجلى الفرق في الاجتهاد الخلدوني الذي انصب على اعتبار الحوادث موضوعًا له صلة جوهرية بأعمال البشر ونشاطاتهم وأوضاعهم وأحوالهم، في حياتهم واجتماعهم. وممن قدروا عبقرية ابن خلدون حق قدرِها المؤرخ البريطاني "آرنولد تونبي" الذي قال: "إنه قد ابتكر وصاغ فلسفة للتاريخ هي بلا ريب أعظم ما بلغه الفِكْرُ البَشري في جميع العصور والأمم"، كما يقول المستشرق "إيفلا كوست" عن كتاب ابن خلدون: "إنه يمثل ظهور التاريخ كعلم وهو أروع عنصر فيما يمكن أن يسمى بالمعجزة العربية".

وبالمثل يقول مستشرق فرنسي آخر هو "تياي": "إن ابن خلدون قد ترك لنا تآليف قيمة، لم تغن الآداب العربية وحدها، بل التراث الثقافي للإنسانية جمعاء؛ فهو مؤسس علم الاجتماع، وواضع منهج الكتابة التاريخية العلمية، والسببُ في ذلك هو أنه توصل إلى أنّ هناك فلسفتين: فلسفة أصيلة صحيحة، وفلسفة كاذبة خاطئة. وهو ما يدل على أنه قد توصل قبل الفيلسوف الجرماني "إيمانول كانط" إلى التفكير النقدي الهادف إلى تحديد القواعد والمقاييس المنطقية لاستعمال العقل في البحوث الفلسفية، وانتقاداتها للتفكير الفلسفي الذي يتجاوز المقاصد الهادفة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015