البديعية المُتكلفة في كتاباتهم، وجعلوها حُرّة طَليقة لا تعنى إلا بقوة التعبير وجماله، ودقة تصويره. لقد كانت الطريقة الشائعة في عصر ابن خلدون هي طريقة القاضي الفاضل، المتوفى سنة خمسمائة وست وتسعين هجرية، وهي تقوم على المبالغة والتصنع بالزينة البديعية من سجع وتورية وجناس وطباق واقتباس، وما إلى هذا. وكان القاضي الفاضل يعتسف هذه المحسنات في نثره وفي شعره، ثم كان تلاميذه المتأثرون بطريقته من بعده أقل منه اطلاعًا، وأكثر باعًا؛ فهبطوا بتكلفهم هبوطًا شنيعًا. كما كان نقاد العصر يَكلفُون بالطريقة الفاضلية؛ فخضع الكُتّاب للنقاد، وجَاروهم في إعجابهم، وأنشئوا على الغرار الذي يرضيهم. أما ابن خلدون فقد تحرر من قيود الطريقة التي وضعها معاصروه للكتابة؛ فكان فذًّا في عصره من حيث تفكيره الأدبي والمنهجي معًا.

ولهذا وذاك نال ابن خلدون إعجاب العلماء في الشرق والغرب، وترجموا مقدمته إلى عدد غير قليل من اللغات، ولم يخف علماء أوروبا وفلاسفتها إعجابهم واعترافاتهم بتفوق هذا الفيلسوف العربي المغربي، وقد سجلت عدة دراسات وأبحاث هذه الاعترافات على لسان كبار الكتاب والباحثين، من الذين اهتموا بدراسة التراث العلمي الأصيل، الذي خلفه ابن خلدون، والذي يؤكد جملة وتفصيلًا اجتهاداته المثالية". ويُضِيفُ الكاتبُ قائلًا: "لقد أجمع غير واحد من الأعلام بأن معالم العبقرية المبدعة متوفرة في شخصية ابن خلدون، وقال عنه المستشرق "ليفيبروفنسال": إن صفات العبقرية عند صاحب المقدمة تتجلى في كونه أحرز قصب السبق في مجالات المعارف الإنسانية؛ مما جعله في مسار يُثير نزعة المعاصرين له من المؤرخين، مسار حدد فيه لنفسه مكانته الخاصة المرموقة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015