ويقرر بعض دارسي الأدب المقارن أن الانكسار العسكري لحضارة ما يمنحها الطاقة للتأثير الثقافي، كما حصل قبل ذلك في الحضارة السومرية، التي منحت إبداعها الثقافي لغيرها من الحضارات على الرغم مما منيت به من هزيمة عسكرية، وهو ما يذكرنا بما نقرؤه من أن روما مدينة لأثينا في كثير من إبداعاتها، رغم انهيار القوة العسكرية لتلك الأخيرة، وإلى هذا يعزى ظهور نظرية المحاكاة عند النقاد اللاتين في عصر النهضة الأوروبي.
ولكن بمجيء عصر النهضة التفت الأوروبيون مجددًا لتراثهم اليوناني اللاتيني بمساعدة الترجمات العربية، فعاد أدب عصر النهضة إلى نظرية المحاكاة، وبالتحديد إلى ما ساد الأدبين اليوناني واللاتيني من عناية بالإنسان ومشكلاته واقعيًّا بديلًا للرؤى الميتافيزيقية لأدب القرون الوسطى، وكان أوضح عمل في بداية القراءات الأولى، التي تدخل في الأدب المقارن قراءة الشاعر الناقد دورًا في القرن السادس عشر من جماعة الثريا الفرنسية، الذي قدم المحاكاة عمليًّا مشيرًا إلى تأثير اليوناني في اللاتين، مثل تأثير الخطيب اليوناني "دي موسيه" في "شيشرون"، وتأثير "هوميروس" في "يورجيل"، وتأثير "بنداروس" في "هوراس".
ويشمل التأثير والتأثير كثيرًا من الموضوعات الأدبية، فقد يتعلق بأديب من الأدباء، وقد يتعلق بموضوع أدبي، وقد يتعلق بأسلوب لُغوي، وقد يتعلق بشكل فني، وقد يتعلق باتجاه فكري، وقد يتعلق بجنس من الأجناس الأدبية، وقد يتعلق بقواعد تخص هذا الجنس أو ذاك، وقد يتعلق بنموذج أو شخصية أدبية إلى آخره.
ويتناول الباحثون في الأدب المقارن هذا الموضوع الأدبي أو ذاك، فيتابعون انتقاله من أدب إلى آخر محاولين معرفة الطريق التي سلكها في رحلة الانتقال، والعوامل المسئولة عن ذلك الانتقال، ومسجلين ما يطرأ عليه من تحويرات أو تعديلات.