بالمقارنة، أن الأدب القومي واقع تحت تأثير أدب أجنبي، واستفاد منه، وانتهج بعض أساليبه وجوانبه الفنية، وعليه أن يثبت كيفية التقاء هذين الأدبين، وزمن التقائهما ونوعية تأثير أحدهما في الآخر، وأن أهمية الأدب المقارن من ثم لا تقف عند حدود دراسة التيارات الفكرية، والأجناس الأدبية والقضايا الإنسانية في الفن، بل لا بد له أن يكشف عن جوانب تأثر الكتاب في الأدب القومي بالآداب العالمية، فهو تأكيد في غير محله، إذ الأدب المقارن لا ينحصر في دراسة التأثير والتأثر بين الآداب المختلفة، كما وضحنا، وإن كانت بعض مدارسه تشترط ذلك، وهي المدرسة الفرنسية ومَن يلفون لفها.
ذلك أن دراسة التأثير والتأثر بين مختلف الآداب إنما تمثل جانبًا واحدًا من جوانب بحوث الأدب المقارن، وفي هذه الحالة فإن الأدب المقارن كما يوضح أولئك المقارنون يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة في حاضرها، أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر، أيًّا كانت مظاهر ذلك التأثير أو التأثر، سواء تعلقت بالأصول الفنية العامة للأجناس والمذاهب الأدبية أو التيارات الفكرية، أو اتصلت بطبيعة الموضوعات والمواقف والأشخاص التي تعالج أو تحاكى في الأدب، أو كانت تمس مسائل الصياغة الفنية، والأفكار الجزئية في العامل الأدبي، أو كانت خاصة بصور البلاد المختلفة، كما تنعكس في آداب الأمم الأخرى بوصفها صلات فنية تربط ما بين الشعوب والدول بروابط إنسانية تختلف باختلاف الصور والكتاب.
ثم ما يمت إلى ذلك بصلة من عوامل التأثير والتأثر في أدب الرحالة من الكتاب. ولعل أقدم ظواهر تبدل التأثير قد تمثلت في دراسة أثر الأدب الإغريقي في نظيره الروماني،