ومع هذا يشير الباحثون في الأدب المقارن إلى أن هناك موضوعات تقليدية غاب أصلها الأدبي في غياهب الزمن، فلم نعد نعلم عن انتقالها من هذا الأدب إلى ذاك شيئًا، وذلك مثل: أسطورة خاتم سليمان، وأسطورة طاقية الإخفاء، وأسطورة الشحاتة الطيبة الجميلة التي تتزوج ملكًا، وفي كل موضوع من تلك الموضوعات نجد تفصيلات يضيفها كل كاتب إليه، فتعطيه نكهته التي يتميز بها عن معالجة مبدع آخر لذات الموضوع.

وتقوم المقارنة الأدبية هنا بتبيان الفروق ووجوه الاتفاق والاختلاف بين المعالجات المختلفة لذلك الموضوع، ويؤكد الدارسون المقارنون عن حق أن التأثر بإبداعات الآخرين لا يعد عيبًا، فالحياة قائمة على التعاون والأخذ والعطاء، وليس هناك مبدع يأتي بإبداعاته من الفضاء الخارجي، بل الكل يعتمد على الكل إن صح التعبير، وفي تلك الإضافات والتفصيلات يمكن أن تكمن العبقرية الإبداعية، وفي وسع الدراسات المقارنة أن تتناول مثلًا موضوع الغيرة، أو الانتقام أو التضحية في سبيل الواجب، أو بعض العادات أو السلوكيات أو المعتقدات أو القيم، فتلقي ضوءًا قويًّا كاشفًا على عبقرية الكتاب الذين تناولوا هذا الموضوع.

لنأخذ مثلًا مسرحية "فاوس" لـ"جوته"، حيث نرى "فاوس" في أول المسرحية شقيًّا كل الشقاء بعقله ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل ويأخذ في نشدان السعادة عندما يبدأ في التفكير في المستقبل، ويظل على هذا طوال الجزء الأول من المسرحية، وينتهي هذا الجزء بنجاة "مارجريت" منه ومن روح الشر المسيطرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015