أطلق عليها "حيوانات لافونتين"؛ لمقدرته الفائقة في رسم مظاهرها المادية، وحسن اختياره للصفات المعنوية المناسبة لها، وملاحظاته الدقيقة لغرائزها على نحو قليل من غرائز الإنسان، فكان الأسد يرمز للملك والثعلب يرمز للوزير أو رجل الحاشية، والدب يرمز للفلاح إلى آخره.
ولم يقتصر تجديد لافونتين في طريقته تناوله لموضوعات خرافاته فحسب، بل شمل تجديده القالب والصياغة، فقد أفرغ تلك الموضوعات في قوالب متنوعة، كالقصة أو التمثيلية أو يجعل منها موقفًا نقديًّا أو تصويرًا للحيوان والإنسان والطبيعة، وافتن في كتابتها فاستخدم أسلوبًا رشيقًا مركزًا وأوزانًا كثيرة متنوعةً، معتمدًا على ثرائه اللغوي الواسع، الذي لم يقف عند حدود اللغة القاموسية، بل شمل اللهجات المحلية ولهجات العمال وأصحاب الحرف، ومعتمدًا أيضًا على حسه الموسيقي الدقيق، سواء في اختيار الكلمة المناسبة لموضوعه، أم في اختيار الوزن الذي يماشي الفكرة أو العاطفة الوزن الخفيف السريع للفكرة القريبة، والوزنة الطويلة للفكرة العميقة، مما كان له أثر في إشاعة الحياة والحركة في خرافاته، أما الدرس الأخلاقي الذي كان غاية الخرافة عند كتابها الأوائل فقد وفاه لافونتين حقه، بل إنه جدد أيضًا في استخلاصه وفي عرضه لم يسقه بالطريق المباشر، الذي يشعر القارئ بأن هذا الدرس قد فرض عليه فرضًا، وإنما جعل القارئ يستنبطه من تلقاء نفسه من خلال ترتيب أحداث الخرافة، وتسلسل أفكارها، كما أنه لم يجعل موضع هذا الدرس في نهاية الخرافة شأن من سبقه من كتاب الخرافات، وإنما جعل موضعه في أول الخرافة حينًا وفي نهايتها حينًا آخر حسب ما كان يتطلب الموقف.