هذا هو الجهد الذي بذله لافونتين في فن الخرافة، الذي بز فيه السابقين واللاحقين؛ حتى صار مثالًا لمن حاكاه من في الآداب جميعًا.
فينبغي أن نتوقف بصفة خاصة عند محمد عثمان جلال الذي كان أول مَن نقل من ظلمات لافونتين الخرافية للغة العربية، بل إنه كان أول من قام بنقل عمل أدبي شعري من لغة أجنبية في العصر الحديث، وهو أديب مصري من صميم الريف من "ونا القمر" بمديرية بني سويف، نشأ في عصر تكوين مصر الحديث، وشهد في خلاله تطور مصر في عهد حكامها محمد علي وإبراهيم وعباس الأول وسعيد وإسماعيل وتوفيق وعباس الثاني، فكان ثمرة من ثمار هذا التطور، ولبنة من اللبنات التي دفعته للأمام، وقد تلقى تعليمه في المدارس المصرية؛ حتى تخرج من مدرسة الألسن على يد رفاعة رافع الطهطاوي، ثم تولى عدة مناصب حكومية كان آخر ما تولاه منها منصب قاض في المحاكم المختلطة عام ألف وثمانمائة وواحد وثمانين.
أما منظومات لافونتين الخرافية التي نحن بصدد الكلام عنها، والتي وضعها محمد عثمان جلال في كتاب بعنوان (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ)، فكانت أول عمل أدبي قام بنقله عن الفرنسية، شرع في نقلها في عهد عباس الأول، وفي ذلك يقول: ونقل الملك بعد وفاة إبراهيم باشا إلى المرحوم عباس باشا -رحمه الله- فرتب المدارس بوجه آخر، وجعل تلامذة الفقه يحضرون المحاسبة تحت نظارة عبد الرحمن بك؛ قصدًا لإزالة تسلط القبط على هذا الفن وجعله تحت يد المسلمين، وكنت أود أن أكون ضمن المحاسبين، ولكن الله تعالى رزقني بغير حساب ومَنَّ عليَّ بالصحة في ديوانها، فأخذت أترجم في الأوقات الخالية كتاب (لافونتين)، وهو من أعظم