كما نهج فدر اللاتيني نهج إيسوف في مفهومه لغاية الخرافة، فصرح بأن كل ما يطلب من الخرافات هو أنها تصحح أخطاء الناس، ولكن لافونتين تولى الخرافة إلى عمل فني متكامل العناصر أراد أن يحقق من ورائه غايتين: التثقيف والمتعة الفنية؛ لأنه رأى كما يقول في مقدمة خرافاته: أن الخرافات تتكون من جزأين، يمكن أن نسمي أحدهما جسمًا والآخر روحًا.

فالجسم هو الحكاية، أما الروح فهو المعنى الخلقي للحكاية؛ ولكي يشف الجسم عن الروح لا بد من إجادة تصويره تصويرًا يثير كل ما للروح من خصائص؛ ولهذا حرص لافونتين على توفر المتعة الفنية في خرافاته، لقد تناول لافونتين في خرافاته الموضوعات التقليدية التي تناولها من سبقه من كتاب الخرافات، ولكنه بث فيها الحياة والقوة والجمال بما سكبه فيها من طبعه الفني، وعاطفته القوية، ونكتته الحلوة الرفيعة، وسخريته اللطيفة، وملاحظاته الدقيقة، ومقدرته على الغوص إلى أغوار النفوس، والإحساس بالواقع، وبذلك استطاع أن يقدم من خلال تلك الموضوعات لوحة كاملة للمجتمع الفرنسي في عصره، بل للمجتمع الإنساني بعامة، أو حسب تعبيره هو في مقدمة خرافاته: تمثيلية واسعة الآفاق في مائة فصل، تجري حوادثها على مسرح هذا العالم، عرض في خلالها الناس في مختلف طبقاتهم: الملوك، السادة، الجادين، العلماء، الفلاحون، وبمختلف طبائعهم: المتكبرون، الجبناء، الاستغلاليون، السذج.

عرض هؤلاء جميعًا خلف ستار من الرموز التي تتطلبها الخرافة: الحيوانات، والنباتات، والجمادات، والإنسان، وكانت الحيوانات أبرز تلك الرموز؛ حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015