ولكن ما هو الجديد الذي حققه لافونتين، واستحق به أن يكون أبا المنظومات الخرافية في العالم أجمع، إن لافونتين في الواقع إن كان قد استفاد من غيره، فإنه وسم كل ما أخذه بطابع فنه، وهذا هو سر عبقريته ونبوغه، وقد كشف هو نفسه عن هذا السر في قوله: بعض المقلدين أعترف أنهم كالحمقى من الأنعام، إذ يتبعون راعي مانتو تمامًا كالأغنام، إنني أتصرف على وجه آخر، فحينما يؤخذ بيدي فأنقاد كثيرًا ما أسير وحدي سعيًا وراء السداد، سترون أنني أفعل مثل هذا على الدوام، فما كان اقتدائي أبدًا بعبودية واستسلام، لا آخذ غير الفكرة والطريقة والقانون التي كان أساتذتنا أنفسهم يتبعون، على أنه إذا أعجبني عندهم بعض المواضع الرائعات، وأمكن أن تسلك بين أشعار من غير إعنات، فأنا أنقلها وأريد أن أنتقي التكلف العقيم، حين أن أجهد أن أسمى بطابعي ذلك اللحن القديم.
ولا شك أن ما يقوله لافونتين إنما هو المنهج السائد بين أدباء أوربا في هذه الفترة، التي كانت فيها كتابات اليونان والرومان بصفة خاصة تمثل النموذج الأعلى، الذي ينبغي احتذاؤه على أن لافوتين يقر بإبداعه في الصياغة، ويعني بها الشكل بصورة عامة، وهو الجانب الإبداعي الذي يفرق بين شاعر وآخر في كل مقاييس النقل الأدبي، وكانت الخرافة قبل لافونتين في اليونانية أو اللاتينية حكاية قصيرة بسيطة، تنتهي عادة بدرس أخلاقي هو غايتها الأساسية؛ ولذلك كانت العبارة التي تُختتم بها خرافات إيسوب اليوناني، ولا تكاد تتغير هي: "هذه الحكاية توضح أن"، ثم ينشق الدرس الأخلاقي الذي تتضمنه،