هذا كتاب أدب ومحنة ... وهو الذي يدعى كليلة ودمنة
فيه احتيالات وفيه رشد ... وهو كتاب وضعته الهند
ويقع في أربعة عشر ألف بيت، وانتهى منه في ثلاثة أشهر، فأعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف دينار، وأعطاه الفضل خمسة آلاف ولم يعطِه جعفر شيئًا، وقال: ألا يكفيك أن أحفظه فأكون راويتك؟
ويقول ابن المعتز في كتابه (طبقات الشعراء): إنه نظمه في أكثر من خمسة آلاف بيت، وإنه أنجزه في أربعة أشهر، وهذه عبارته نصًّا: هو صاحب البرامكة وشاعرهم، وصاحب جوائزهم للشعراء وهو يستخرجها لهم، ويفرقها عليهم، وهو الذي نقل (كليلة ودمنة) شعرًا بتلك الألفاظ الحسنة العجيبة، وهي هذه المزدوجة التي في أيدي الناس، وكان الذي استدعى ذلك وأراده يحيى بن خالد بن برمك، وكان قد اختار أبا نواس وصار إليه أبان اللاحقي، فقال كالمنتصح: أنت رجل مغرم بهذا الشراب لا تصبر عنه وعن الإشباع بإخوانك عليه، وهو لذتك من الدنيا ومتعتك، وهذا الكتاب مشهور ولم ينتقل لهذا الوقت من المنثور إلى الشعر، وإذا فعل ذلك تداوله الناس وطلبوه ونظروا فيه، فإن أنت تداولته مع تشاغلك بلهوك ولذتك لم يتوفر عليك فكرك وخاطرك، ولم يخرج بالغًا في الجودة والحسن، وإن توفرتَ عليه واهتممت به قطعك ذلك عن لهوك ولذتك ومتعتك، فلا تقدم عليه إلا بعد إنعام النظر في أمرك.
فظن أبو نواس أنه قد نصح له، واستقال الأمر فيه فاستعفى عنه وتخلى به اللاحقي، ولزم بيته لا يخرج حتى فرغ منه في أربعة أشهر، وهي قريبة من خمسة آلاف بيت، لم يقدر أحد من الناس أن يتعلق عليه بخطأ في نقله، ولا أن يقول: ترك من لفظ الكتاب أو معناه، ثم حمله إلى يحيى بن خالد فسُر به سرورًا عظيمًا، وأعطاه على ذلك مائة ألف درهم،