فمضى ابن آوى إلى الحمار، فقال له: ما الذي جرى عليك، إن أحد الحمر رآك غريبًا، فخرج يتلقاك مُرحبًا بك، ولو ثبت له لآنسك، ومضى بك إلى أصحابه، فلما سمع الحمار كلام ابن آوى، ولم يكن رأى أسدًا قط، صدقه وأخذ طريقه إلى الأسد، وأعلمه بمكانه، وقال له: استعد له، فقد خدعته لك، فلا يدركنك الضعف في هذه النوبة، إن أفلت فلن يعود معي أبدًا، فجأش جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار، فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها، ثم قال: قد ذكرت الأطباء إنه لا يؤكل إلا بعد الغسل والطهور، فاحتفظ به حتى أعود، فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتًا لك.
فلما ذهب الأسد؛ ليغتسل عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطير الأسد منه فلا يأكل منه شيئًا، فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وأذناه؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به وأذنان يسمع بهما لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجى من الهلكة؟ وإنما ضربت لك هذا المثل؛ لتعلم أني لست كذلك الحمار، الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب وأذنان، ولكنك احتلت عليَّ، وخدعتني فخدعتك بمثل خديعتك، واستدركت فارط أمري، وقد قيل: إن الذي يفسده الحلم لا يصلحه إلا العلم.
قال الغيلم: صدقتَ، إلا أن الرجل الصالح يعترف بزلته، وإذ أذنب ذنبًا لم يستحِ أن يؤدب لصدقه في قوله وفعله، وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله، كالرجل الذي يعثر على الأرض ثم ينهض عليها معتمدًا، فهذا مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها.
وقد نقل أبان بن عبد الحميد الشاعر العباسي المعروف كتاب (كليلة ودمنة)، وجعله شعرًا؛ ليسهل حفظه على الناس وهو معروف أوله: