في موضعه؛ للنظر إذا نظرنا إلى حرم المزور، وليس قلوبنا معنا، قال الغيلم: وأين قلبك الآن؟ قال: خلفته في الشجرة فإن شئت فارجع بي إلى الشجرة؛ حتى آتيك به، ففرح الغيلم بذلك، وقال: لقد وافقني صاحبي بدون أن أغدر به، ثم رجع بالقرد إلى مكانه، فلما أبطأ على الغيلم ناداه: يا خليلي، احمل قلبك وانزل، فقد حبستني، فقال القرد: هيهات، أتظن أني كالحمار، الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان، قال الغيلم: وكيف ذلك؟
قال القرد: زعموا أنه أسد في أجمة وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل طعامه، فأصاب الأسد جرب وضعف شديد، فلم يستطع الصيد، فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد السباع قد تغيرت أحوالك؟ قال: هذا الجرب الذي أجهدني وليس له دواء إلا قلب حمار وأذناه، قال ابن آوى: ما أيسر هذا، وقد عرفت بمكان كذا حمار مع قصار يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به، ثم دلف إلى الحمار فأتاه وسلم عليه، فقال له: ما لي أراك مهزولًا؟ قال: ما يطعمني صاحبي شيئًا، فقال له: وكيف ترضى المُقام معه على هذا؟ قال: فما لي حيلة في الهرب منه لست أتوجه إلى جهة، إلا أضر بي إنسان فكدني وأجاعني، قال ابن آوى: فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس لا يمر به إنسان، خصيب المرعى فيه، قطيع من الحمر لم ترَ عين مثلها حسنًا وسمنًا، قال الحمار: وما يحبسنا عنها؟ فانطلق بنا إليها.
فانطلق به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن أوى ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار فخرج إليه، وأراد أن يثب عليه فلم يستطع لضعفه، وتخلص الحمار منه، فأفلت هلعًا على وجهه، فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: أعجزت يا سيد السباع إلى هذه الغاية؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدًا.