ومضى بالقرد ساعة، ثم توقف به ثانية فساء ظن القرد، وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إلا لأمر، ولست آمنًا أن يكون قلبه قد تغير لي، وحال عن مودتي فأراد بي سوءًا، فإنه لا شيء أخف وأسرع تقلبًا من القلب، وقد يقال: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن التماس ما في نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر وفي كل لحظة وكلمة، وعند القيام والقعود، وعلى كل حال فإن ذلك كله يشهد على ما في القلوب. قالت العلماء: إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة، فليأخذ بالحزم من الحفظ منه، وليتفقد ذلك في لحظاته وحالاته، فإن كان ما يظن حقًّا ظفر بالسلامة وإن كان باطلًا ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك.
ثم قال للغيلم: ما الذي يحبسك؟ أي: ما الذي يوقفك، وما لي أراك مهتمًّا كأنك تحدث نفسك مرة أخرى؟ قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تجد أمري كما أحب؛ لأن زوجتي مريضة، قال القرد: لا تهتم، فإن الهم لا يغني عنك شيئًا، ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية، فإنه يقال: ليبذل ذو المال ماله في أربعة مواضع: في الصدقة وفي الحاجة وعلى البنين وعلى الأزواج. قال الغيلم: صدقت وقد قال الأطباء: إنه لا دواء لها إلا قلب قرد، فقال القرد: وا أسفاه، لقد أدركني الحرص والشر على كِبر نفسي؛ حتى وقعت في شر ورطة، ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مستريحًا مطمئنًّا، وذو الحرص والشره يعيش معاش ذي تعب ونصب، وإني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه.
ثم قال للغيلم: وما منعك أن تعلمني عند منزلي حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة إذا خرج أحد لزيارة صديق خلف قلبه عند أهله، أو