فبينما هو ذات يوم يأكل من ذلك التين، إذ سقطت من يده تينة في الماء، فسمع لها صوتًا وإيقاعًا، فجعل يأكل ويرمي في الماء فأطربه ذلك، فأكثر من طرح التين في الماء، وثم غيلم كلما وقعت تينة أكلها، فلما كثر ذلك ظن أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله، فرغب في مصادقته وأنس إليه وكلمه، وألف كل واحد منهما صاحبه، وطالت غيبة الغيلم عن زوجته فجزعت عليه، وشكت ذلك إلى جارة لها، وقالت: قد خفت أن يكون قد عرض له عارض سوء فاغتاله، فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد ألف قردًا وألفه القرد، فهو مؤاكله ومشاربه، وهو الذي قطعه عنك، ولا يقدر أن يقيم عندك؛ حتى تحتالي لهلاك القرد، قالت: وكيف أصنع؟ قالت لها جارتها: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك، فقولي: إن الحكماء وصفوا لي قلب قرد.
ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله، فوجد زوجته سيئة الحال مهمومة، فقال لها الغيلم: ما لي أراك هكذا؟ فأجابته جارتها وقالت: إن زوجتك مريضة مسكينة، وقد وصف لها الأطباء قلب قرد، وليس لها دواء سواه، قال الغيلم: هذا أمر عسير، من أين لنا قلب القرد ونحن في الماء؟ لكن سأحتال لصديقي، ثم انطلق إلى ساحل البحر، فقال له القرد: يا أخي، ما حبَسَك عني؟ قال الغيلم: ما حبسني إلا حيائي، فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك لي، وأريد أن تتم إحسانك إليَّ بزيارتك إياي في منزلي، فإني ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة، فركب ظهر الغيلم فسبح به؛ حتى إذا سبح به عرض له قُبح ما أضمر في نفسه من الغدر، فنكس رأسه، فقال له القرد: ما لي أراك مهتمًّا؟ قال الغيلم: إنما همي؛ لأني ذكرت أن زوجتي شديدة المرض؛ ولذلك يمنعني من كثير ما أريد أن أبلغه من حرصي على كرامتك وملاطفتك، قال القرد: إن الذي أعرف من حرصك على كرامتك يكفيك مؤونة التكليف، قال الغيلم: أجل.