التقاء توحد بين الأدباء الأوربيين في ذلك الوقت، إذ كانوا يرون في شعراء اليونان واللاتين القدماء مثلهم الأعلى، الذي يتعين عليهم أن يحتذوه إلا أن روح القومية التي سادت في ذلك الوقت كانت تعصف بكل رغبة في التسليم بتبادل التأثير بين الآداب الأوروبية بعضها وبعض.
لكن ظهرت في ألمانيا في أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر حركة نادت بالأدب المقارن، حيث تتجمع الآداب المختلفة كلها في أدب عالمي واحد، يبدو وكأنه نهر يرفده كل أدب من الآداب القومية بأسمى ما لديه من نتاج إبداعي، وقيم إنساني وفنية، وكان زعيم هذا الاتجاه الشاعر الألماني "جوته" الذي عد نفسه نموذجًا تتجمع فيه صفة العالمية، فلقد كان مطلعًا على الآداب الأوروبية متمثلًا قيمها واتجاهاتها، ومد بصره إلى خارج الحدود الأوروبية الضيقة المضطربة، فوجد في الآداب الشرقية الإسلامية عاملًا رحبًا لا نهائيًّا من الطهر والطمأنينة، بَدَا له وكأنه قَبَس من نور النبوة، كما وجد منبعًا صافيًا من الإبداع والإلهام المتجدد عبَّر عنه بوضوح في ديوان سماه (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) كتب في مقدمته: هذه باقة من القصائد يرسلها الغرب إلى الشرق.
ويتبين من هذا الديوان أن الغرب قد ضاق بروحانيته الضعيفة الباردة، فتطلع إلى الاقتباس من صدر الشرق، ولقد استطاع "جوته" بثقافته العميقة الواسعة، ومكانته البارزة وقدرته الفذة على الإبداع أن يجعل فكرة التواصل بين الآداب الأوروبية خاصةً والآداب كلها بعامة تستقر في الأذهان، وتصبح من الأمور المسلمة التي لا تقبل الجدل على الرغم من طغيان العصبية القومية في أوربا،