كذلك أثار الدكتور محمد سعيد جمال الدين نقطة جديرة بالتأمل والبحث، إذ يرى أن نشوء علم الأدب المقارن في القرن التاسع عشر يعد مفارقةً تستوقف النظر إذ قال: والحق أننا نعجب لنشأة هذا العلم في أوربا في وقت سادتها روح العصبية القومية، ونشبت الحروب بين دولها، وكان التنازع والتكالب على اكتساب المغانم الاستعمارية على أشده بينها، مما عمق فكرة الأثرة القومية والعصبية المقيتة في نفوس الشعوب الأوروبية، وأخذ كل واحد من هذه الشعوب ينظر إلى الآخر نظرة العداء والازدراء، ووجه العجب هنا أن طبيعة الأدب المقارن لا تتفق مطلقًا مع روح التعصب والأثرة القومية، فهو يقف في الوسط ليرصد التيارات الفكرية المتبادلة بين الآداب المختلفة، ويرقب عوامل التأثير والتأثر فيما بينها.
فكيف يتسنى لهذا العلم أن يقوم بمهمته هذه في ظل جو مشبع بعوامل الاستعلاء والتميز القومي؟ كيف يمكن لهذا العلم أن يعنَى بدراسة نقاط الالتقاء بين الآداب والسمات المشتركة بينها في وقت كان هم كل أمة من هذه الأمم الأوروبية منحصرًا في بيان أوجه الاختلاف، والتعارض بين أدبها وآداب غيرها، وفي أن أدبها هو الأكثر كمالًا وفضلًا؟
لقد كان المزاج الأوربي الذي ساد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مشبعًا بأسباب التنافر والتباعد، لا بمظاهر التآزر والتقارب، حقًّا لقد كانت هناك نقط