وهكذا بدأت دعوة الأدب العالمي، وكأنها كانت بمثابة تمهيد طبعي لنشوء فكرة الأدب المقارن.
انتهى كلام الدكتور محمد سعيد جمال الدين.
والواقع أنه لا ينبغي أن يكون ثمة عجب، إذ من قال: إن الأدب المقارن قد نشأ وهدفه التقريب بين الشعوب والأمم على أساس من روح الأخوة، إن هناك فرقًا كبيرًا بين رغبة بعض العلماء والمفكرين في أن يؤدي الأدب المقارن إلى نشوء هذه الروح، وبين استجابة النفوس البشرية التي تمارس وتشتغل به لهذه الروح، ذلك أنه كان هناك دائمًا -وسيظل هناك دائمًا- فجوة بين المثال والواقع كبرت هذه الفجوة أم صغرت، فهذه هي طبيعة الطبيعة البشرية، وعلى أية حال فهناك عوامل أخرى للأدب المقارن كانت وما زالت وراء اهتمامي بهذا الفرع من فروع البحث، منها إرضاء الفضول البشري، الذي يريد أن يعرف إلى ذاك الأدب أو هذا، وإلى أين يمكن أن يذهب بعد ذاك؟
ومنها أيضًا الرغبة الفطرية في المقارنة بين المتشابهات والمتخالفات في أي شيئين من جنس واحد، إن لم يكن من أجل شيء، فمن أجل إرضاء النزعة العقلية المقارنية، التي لا تهدأ عند بعض الناس إلا إذا اشتغلت ولا ترتاح إذا بقيت خاملة لا وظيفة لها، ثم هم بعد هذا كله لا يمكنهم أن ينسوا قوميتهم ولا حبهم لبلادهم وشعوبهم، ولا إيثارهم لحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأذواقهم وفنونهم وآدابهم، وبخاصة إذا كانوا ينتمون إلى أمور قوية تتطلع إلى جر الأمور الأخرى وراءها، كأنها القاطرة وعرباتها، ولا تريد لأحد أن يخالف عن رأيها، ولا أن يكون له ذوق يتميز عن ذوقها، بل يمتاز عليها، أما الكلام والتشدق به فما أسهله لكن الكلام وحده لا يجعل الأمنيات حقيقة واقعة محترمة من الجميع،