ببلادهم، ومجتمعاتها، وتاريخها، وتطلعاتها ومشاكلها، وعاداتها، وتقاليدها، وأديانها، وحياتها اليومية لا ببلاد "جون بول".
ولكن إذا كان الأديب من هذا النوع يعيش في فرنسا مثلًا أو بريطانيا، واندمج اندماجًا تامًّا في الوسط الجديد، وأضحى يعتنق ما يعتنقه أصحاب ذلك الوسط ويردد آراءهم، ويتخذ مواقفهم، وينطلق من رؤيتهم الحضارية والقومية، وينصبغ بصبغتهم الاجتماعية، ونسي وطنه وقوميته القديمة ولم يعد يهتم بمشكلات الأمة، التي كان ينتسب إليها من قبل إلى آخره، فعندئذٍ فالمنطق يقتضي إلحاقه بالأدب الذي يصطنع لغته إذن.
أما أمريكا التي يُدرس أدبها عادةً على أنه جزء من الأدب الإنجليزي، فهناك من باحثيها كما رأينا مَن يناضل ضد الفكرة القائلة: بأن ما يكتبه الأمريكان والإنجليز هو أدب واحد؛ لأننا بصدد أمتين متباينتين سلكتَا منذ القرن التاسع عشر طريقًا ثقافيًّا، وبالتالي أدبيًّا متباعدًا تمامًا، ويرون أن إنتاجهم الأدبي يدخل في مجال الأدب المقارن على الرغم من أنهما مكتوبان باللغة نفسها، ولا شك أن أمامنا في هذه الحالة قوميتين مختلفتين لا تتطلعان إلى قيم واحدة بينهما، إن لم يكن بسبب أي شأن آخر، فبسبب المسافة الشاسعة التي تفصل بين الشعبين، كما أن بينهما تاريخًا من الصراع والحروب فضلًا عن اختلاف مضمون الأدبين وروحيهما، واهتمامات كل منهما، وطعمه مما عليه المعول الأكبر في مثل هذا التمييز كما قلنا من قبل.
ومثل أمريكا في ذلك الأمر القارة الأسترالية.
باختصار نخرج من هذا: بأنه في حالة تطابق اللغة والقومية أو الوطن، فحينئذٍ فلا مشكلة أما إذا كان ثمة تعارض فالعبرة بالشعور القومي للكاتب، واتجاهاته وهمومه، وبمضمون العمل الإبداعي والروحي، لكن هل تراني قلت الكلمة الفصل في هذا السبيل؟ لا أظن. بل هي مجرد وجهة نظر ينبغي أن تُدرس وتحلل، وتبدى فيها الآراء وهذا كل ما أستطيع أن أقوله ولا أزيد.