وعلى هذا، فإن مقارنة العقاد والمازني في شبابهما في عشرينيات القرن البائد مثلًا بين الشعر، وبين الفلسفة والفنون الجميلة على ما فيها من حساسية فنية وعمق في التحليل، وسعة في الأفق لا تعد في رأيي من الأدب المقارن على عكس ما يحاول الدكتور علي شلش أن يصنفها، لقد كان الدكتور شلش بإلماحته إلى العقاد والمازني وغيرهما يرد على كمال أبي ديب في دعواه بأن محاولات تجاوز تحديد الأدب المقارن بدراسة التأثر والتأثير في الغرب غير موجودة في العربية، ومع هذا فقد انتقد الدكتور حسام الخطيب ضآلة الاهتمام بين النقاد العرب بالربط بي الأدب والفنون الأخرى، بما قد يرجح أنه لم يتنبه إليه، ولا ما رد به على بلديه الدكتور كمال أبو ديب.
وقد جاء كلام الدكتور الخطيب في سياق الدعوة إلى انفتاح المقارنين على الفنون والمعارف الأخرى، طبقًا لما يدعو به "وليك" و"رماك" في أمريكا، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد يكون من المفيد أن أسجل هنا أنني أصدرت منذ أكثر من سنتين كتابًا بعنوان (التذوق الأدبي)، خصصت فيه فصلًا كاملًا من بضع عشرات من الصفحات للمقابلة بين الأدب والفنون الأخرى من خيانة ونحت وتصوير وكاريكاتير وموسيقى وعمارة، سواء من ناحية الوسائل التي يتذرع بها كل من الطرفين في التعبير عما يريد، أو من ناحية قوة التأثير والإمكانات التعبيرية التي يوفرها، ومع هذا لم يخطر ببالي قط أن أعد ما فعلته من الأدب المقارن في شيء، بل لست أجد في نفسي مطاوعة لهذا التصنيف، وأرى من الأوفق وضعه في خانة التذوق الأدبي كما عنونته، أو ربما يمكن إدخاله باب نظرية الأدب إن كان لا بد من البحث له عن ميدان آخر.
وأرى أن الدكتور حسام الخطيب وغيره من المقارنين على الحق في قلقهم على مستقبل الأدب المقارن من هذه الناحية، إذ ينادي في مقال له بالمشباك عنوانه: