شكسبير، فضلًا عن أن يكون ذلك المنتحر هو كليوباترا الملكة المترفة التي لم تتعود تحمل الآلام قط، وهو ما صنعه شوقي أيضًا، فقد أنطقها عقب لدغ الأفعى لها في صدرها بالأبيات التالية، التي تخاطب فيها وصيفتيها اللتين كانتا حاضرتين تنفيذ الانتحار، والتي تشف عن فرح خالص لا شائبة من ألم فيه:
يا ابنتي ودي هلما، زيناني للمنيه
غللاني طيباني بالأفاويه الزكيه
ألبساني حلة تعجب أنطونيو سنيه
من ثياب كنت فيها أتلقاه صبيه
ناولاني التاج تاج الشمس في ملك البريه
وانثرا بين يدي عرش الرياحين البهيه
ويؤكد هذا ما قاله أنوبيس حين رآها عقب موتها بسم الصِّل:
جبين مشرق الغرة ووجه ضاحك النضره ... وعينان كأن الموت في جفنيهما كسره
وهذا فم تبدو المنايا عنه مفتره ... ولكن قيصر ادن انظر هنا السر هنا العبره
فبين السحر والنحر كمثل الخدش من إبره ... مكان الناب من صل شديد البأس والشره
فهل هذا كله توارد خواطر، أم هل تأثر شوقي بمسرحية نظيره الإنجليزي؟
فإذا عدنا إلى ما أراد شوقي إقناعنا به من أن كليوباترا إنما كان يحركها حبها لمصر لا رغبتها في الرجال، والعبث بألبابهم، رأينا أمير الشعراء العرب لا يعد تركها لأنطونيو في المعركة يواجه غريميه وحده خيانةً وغدرًا، بل سياسة تستهدف مصلحة مصر، وهذا ما كتبه صاحب (النظرات التحليلية) في ذلك الموضوع.
وكانت كليوباترا أثيرة عواطف ثلاث:
الأولى: حبها لمصر وحرصها على مستقبل تاجها، وقد رأينا أن الرواية ملأى بدلائل هذا الحب والحرص، حينما تكلمنا عن جنسية كليوباترا.
الثانية: حبها لأنطونيوس، ومن العبث أن نستشهد على هذا الحب بنجواها الغرامية المتصلة وحدها، كلما جمع المجال بينها وبين أنطونيوس، فلقد تتهم هذه