أحداث المسرحية، وإنما هي تغن خالص بالحب ولواعجه أو حنين إلى الماضي وذكرياته، ولقد يحدث أن نلتقي في بعض المسرحيات العالمية الكبيرة بمنولوجات فيها بعض ما يشبه هذا الغناء، ولكنها تحتوي في الغالب على اعترافات تنبئنا بما نجهل، أو تكشف الستار عن مخبوء أو تضيء بعض حنايا الشخصية المسرحية، وأما مجرد الغناء العاطفي بأشجان النفس أو بمظاهر الطبيعة، وما يختلط بها من مشاعر الشخصيات وذكرياتهم، فذلك ما لم نعد نشهد له وجودًا في المسرح الحديث، بعد أن تخلص من الجوقة التي كانت تردد مثل هذه الأغاني في المسرح اليوناني القديم، والأمثلة لهذه الأغاني كثيرة في مسرح شوقي، حتى لقد استطاع بعض الملحنين أن ينتزعوا بعضها من سياق المسرحيات، وأن يلحنوها منفردة كقصائد قائمة بذاتها، وأن يتغنوا بها.
أما دكتور محمد حامد شوكت فقد يبدو أن له موقفًا يختلف قليلًا أو كثيرًا عن موقف مندور، إذ يرى أن الحوار في مسرحيات شوقي يتطور في حدود شعر شوقي الغنائي، الذي يصور رواسب الشعر العربي كما كان في أوجه عند أبي تمام والبحتري والمتنبي بالإضافة إلى ذاته وغيرهم، ذلك الشعر الذي يصور أحاسيس الكاتب في لغة منسقة ذات موسيقى وخيال وعاطفة، وحافظ شوقي على نظام القصيدة في البحر والقافية، وفي المسرحيات الأولى يتجلى لون الغنائي المسرحي، ففي (مصرع كليوباترا) مقطوعات كثيرة على نظام القصيدة تكاد تجعل الشعر الغنائي غاية، وكثيرًا ما يسترسل المؤلف في تلك المقطوعات، التي تدور حول الشكوى والنجوى والرثاء والمديح، وقد نجح مسرح شوقي لطبيعة الجمهور المسرحي المحب للغناء وسماع الشعر بل شعر شوقي.