ليس في هذه الكوميديا الناجحة حب ولا صورة لامرأة تحب، وإنما هي صورة امرأة من طراز لم يألف شوقي تصويره في مسرحياته، صورة سيدة من واقع حياة شوقي أسكنها حيًّا يبعد عنه بعد التاريخ والأسطورة، ولكنه استطاع بشاعريته أن ينبضه، كما أنبض التاريخ والأسطورة بالحياة والحيوية الدافئة.
إن (الست هدى) من أنجح ما ألف شوقي، والشعر فيها لا يرتفع إلى مستوى الغنائية العبقرية المتجلية في سائر المسرحيات؛ لأنه شعر عادي يصور الحياة اليومية والمشاعر العادية، ومن هنا نراها ترتفع بحيوية الحوار، وبرسم الشخصيات كشخصية الزوج الأخير و (الست هدى) نفسها عن المستوى العادي في مسرحياتها الأخرى.
إن (الست هدى) نموذج من السيدات في زمانه، يحيا في المسرحية كما يحيى في الواقع وتتخلل السخرية والإيحاءات والتورية حوار المسرح؛ فيرفع من نبضها وحركتها وحيويتها، وتتوالى الأحداث متصاعدةً نحو قمة معلومة في أسلوب هندسي، ومع صعوده تنتقل شخصية (الست هدى) من طور إلى طور، إن مشهد استرجاعها لحياتها حيث تصور طابور الأزواج واحدًا إثر واحد على باب مالها؛ حتى عندما تترحم على الموظف مشهد حي خفيف الروح:
لم أنسه منذ مات يومًا ... ما كان أظرف
كان خفيفًا وكان حلوًا ... ومن نسيم الربيع ألطف
ونكاد نحس نبرة مأساة وشبه حزن، ثم نراها تردف:
ما كنت أدري إذا تولى ... أجيبه أم قفاه أنظف
يرحمه الله مات ما وجدوا ... في جيبه قطعة ذهبي
وسبحة من خزانتي سرقت ... كانت على الرف من وفاة أبي