بقيت مسرحية (الست هدى)، وهي ذات وضع خاص بين كل مسرحياته، إنها الوحيدة التي تعالج الواقع المعاصر، ومع ذلك فقد اختار لها أسلوب الشعر لا النثر، هل كان ذلك ليثبت أنه بالشعر يستطيع أن يخرج لنا المأساة والملهاة، أم تراه فعل ذلك لسبب آخر؟ وإنها لظاهرة شاذة حقًّا. فمأساة الأندلس التي حركت أدق مشاعره وأعمقها يكتب عنها مسرحية نثرية، والواقع العادي في حي الحنفي يكتب عنه مسرحية شعرية، ولكن (الست هدى) كوميديا رغم الشعر، وليس شوقي بالنسبة لهذا الواقع فيها بأقرب منه بالنسبة لواقع التاريخ أو الأسطورة، إن حي الحنفي بعيد عنه بعد أيام المماليك، وقمبيز والأندلس وبعد صحراء ليلى وقيس وعنترة وعبلة، ولكن (الست هدى) نفسها واقع في حياة شوقي، إنها المرأة التي يطمع الرجال فيها لمالها، وهي امرأة عادية صادقة تعد نموذجًا من النماذج بين نساء عصرها، إنها امرأة تريد زوجًا؛ لأن امرأة بلا زواج نموذج إنساني غير مألوف، بل هو مستهجن، هدفها في الحياة أن تتزوج ويتتابع الأزواج طامعين في مالها حسبما تقص هي علينا في شريط سينمائي في فصل من فصول المسرحية، والتركيز على الزوج الأخير الذي ظفر بما لم يظفر به من سبقوه، وهو أنه عاش بعد أن ماتت (الست هدى).

ولكن (الست هدى) لم تنهزم؛ لأنها كانت قد أوصت بمالها لبعض صديقاتها وبعض جهات البِر، وخرج الرجل الذي فاز بما لم يفز به غيره في الظاهر صفر اليدين مشيعًا بضحكات النظارة في المسرح، وقد جن جنونه بعد أن كان قد تصور أنه ظفر بما كان يحلم به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015