ثم لدينا المدرسة الأمريكية التي أخذت أولًا بالاتجاه التاريخي، كما هو معروف عند المقارنين الفرنسيين، ثم انتهى به الحال على يد "رينيه وليك" إلى توسيع نظرتها لهذا التخصص، والمناداة بأن يكون الهدف منه إبراز القيم الجمالية وعلاقاتها داخل أدب واحد أو أكثر، والاستعانة في ذلك بالنقد الأدبي أي: أن التركيز هنا على الجانب التذوقي، وبغض النظر عمن هو على صواب أو على خطأ بين أصحاب هذه المناهج، فالمهم الالتفات إلى أنهم في الغرب يجتهدون، ويختلفون ويغيرون مواقفهم وآراءهم، ولا يجدون حرجًا أو غضاضة في هذا، وهو ما نريده لأنفسنا أن نجتهد ولا نظن أن الصواب دائمًا حليف القوم، وأن كل ما ينبغي لنا أن نفعله أو على الأقل أن كل ما يمكننا عمله هو متابعتهم دائمًا على ما يقولون، إذ هم لا يقولون شيئًا واحدًا وللأبد كما رأينا، أنكون ملكيين إذن أشد من الملك نفسه، وأعترف هنا أنني كنت من المرددين لما يقوله جمهور المقارنين الفرنسيين.
ولا أستطيع أن أتصور أن هناك صوابًا آخر لا لشيء، إلا لأنني أنا وزملائي في الدراسات العليا حين بدأنا التعرف على الأدب المقارن في السنة التمهيدية للماجستير في آداب القاهرة عام 70، و71 مع الدكتور شكري عياد قد اعتمدنا على كتب "فانتين" و"جويار" ومحمد غنيمي هلال، فبدا لنا أن هذا هو المنهج السليم وما عداه مناهج متسيبة غير منضبطة، إلا أن هذا كان منذ خمسة وثلاثين عامًا ويزيد، وقد جرت مياه كثيرة من ذلك الحين في النهر، ولم يعد ماء النهر هو ماءه القديم، ولسوف نرى أن فخري أبا السعود مثلًا في مقالاته التي كتبها في الثلاثينيات من القَرْن المُنصرم عن الأدب المقارن، إنما ينطلق من رؤية أفسح وأرحب وأجلى من الرؤية التي تنطلق منها المدرسة الفرنسية بوجه عام، وأنه كما لاحظ الدكتور