الأسباب التي تكمن وراء هذا التشابه، أو ذلك الاختلاف، أو على الأقل أوافق على مثل هذا التمديد، كما أرى أيضًا توسيع آفاقه؛ ليشمل مثلًا الموازنة الأدبية بين عملين من أعمالهما، وتحليل كل واحد منهما، ومحاولة التعرف على إلى سر ما بينهما من نواحي المشاكلة والمباينة، والاجتهاد في تذوق كل منهما لتوسيع مجال الاستمتاع الأدبي والنقدي عند الدارس، والقارئ جميعًا.
ومحاولة تقويم كل منهما فنيًّا ومضمونيًّا، والوصول إلى معرفة أي منهما أجمل وأقوى وأشد تأثيرًا من الآخر، ولماذا؟ وذلك من أجل اكتساب نظرة أكثر رحابة وأوسع إنسانية، وأعمق حكمًا وأحرى أن تكون أقوى انفتاحًا على ما عند الآخرين من آثار الخير والجمال والجلال.
ولقد كان المنهج الإيطالي مثلًا في ميدان الأدب المقارن في بداية أمره أواسط القرن التاسع عشر كما يقول الدكتور عطية عامر قائمًا على الموازنات الأدبية، والكشف عن عناصر الاتفاق والاختلاف بين ظواهر الأدب المشتركة، ثم انتهى به التطور إلى أن يكون وسيلة بسيطة من وسائل تاريخ المصادر، أما المدرسة الألمانية فكانت تقصر الأدب المقارن على آداب أوربا الغربية وحدها؛ لبيان الاتفاق والاختلاف في التقاليد الأدبية لأمم ذلك الشطر من العالم، وإن ضم هذا الاتجاه العام عدة أطياف مختلفة، فمن الدارسين من اهتم بدراسة التأثير والتأثر بين هذه الآداب، ومنهم مَن اعتنى ببيان النماذج الأدبية المشتركة بينها، ومنهم مَن قام بدراسة المحتوى الثقافي والعقائدي المتماثل في هذه الآداب، ومنهم من أخذ على عاتقه الكشف عن تناسق الحركة الموسيقية والصوتية في صورها الشعرية إلى آخره.