وبالنسبة إلى (رسالة الغفران) نرى الدكتور محمد غنيمي هلال يسوق احتمالًا مرسلًا لم يعضده بأي شاهد ولا بأي دليل أو مرجع، وهو: أنّ أبا العلاء قد يكون متأثرًا بكتاب "أرده ويراف نامة" الفارسي الذي يحكي رحلة موبذان من "زرادشتي" إلى الجحيم، وبالمثل يرى من المحتمل أن يكون لقصة "أبسال وسلامان" المتصلة بقصة "حي بن يقظان" لابن سينا أصل يوناني.

أما فن المقامة، فهو كما يؤكد فن عربي أصيل، على أنه لم يكتف بهذا بل مضى، فتناول انتقال تلك الأعمال بدورها إلى اللغات والآداب الأخرى، وتأثيراتها فيها، وبخاصة الأوربية منها، فقد تُرجمت "حي بن يقظان" لابن الطفيل إلى العبرية في القرن الرابع عشر الميلادي، ثم إلى اللاتينية في القرن السابع عشر، ثم إلى الإنجليزية، كما ترجمت في سنة 1920م إلى الروسية، ثم إلى الفرنسية أوائل الثلث الثاني من القرن العشرين، وكان لهذه القصة تأثير شديد في قصة "كريتيكود" للكاتب الإسباني "جراسيان" الذي عاش في النصف الأول من القرن السابع عشر.

وإن أضاف أننا لا نعرف الطريق الذي تأثر من خلاله "جراسيان" بالقصة العربية؛ لأنها لم تترجم إلى أي لغة أوربية قبل عام 1671م، أي: بعد وفاة "جراسيان"، إلا أنه مع هذا يستبعد أن تكون وجوه التماثل بين العملين مجرد مصادفة، وبخاصة أن المستشرق الإسباني "جارسيا جوميز" يؤكد أن قصة ابن الطفيل اكتسبت شعبية كبيرة في عهد "جراسيان" من قبل ترجمتها إلى اللاتينية، ومن ثم يقرر أن الكاتب الإسباني لا بد أن يكون قد اطلع على القصة في أصلها العربي.

كذلك يضيف هلال أن قصة ابن الطفيل قد لقيت رواجًا كبيرًا لدى الفلاسفة الأوربيين، خصوصًا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكذلك "الرومانتيكيون" في القرن التاسع عشر، إذ كان هؤلاء وهؤلاء يعتقدون أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015