كذلك لا نستطيع أن نوافقه -رحمه الله- على نسبته فضل التأليف القصصي، أو على الأقل الريادة فيه إلى مسلمة الفرس، ممن كانوا -كما يقول- يعرفون اللغتين، مشيرًا إلى أنهم كانوا يفيدون من اطلاعهم على قصص "الشهنامة"، وهو بطبيعة الحال يقصد تاريخ ملوك فارس القديمة لا "الشهنامة" التي ألفها الفردوسي في ذات الموضوع؛ لأن هذه "الشهنامة" ما كان لها وجود في ذلك الوقت بعد كما هو معروف، إذ لم يبدأ الفردوسي تأليفها إلا في الثلث الأخير من القرن الرابع الهجري.

ويلاحظ هنا أنّ هِلال لم يحاول أن يُقَدّم لنا ولو شاهدًا واحدًا على دعواه إفادة أولئك الكتاب من سير ملوكهم، وبالمناسبة نراه يشير ضمن هذا السياق بالهامش إلى ما وردت به أسباب النزول الآيتين السادسة والسابعة من سورة لقمان اللتين تتحدثان عن النضر بن الحارث، وما كان يصنع في التشويش على الدعوة الم حمدية في أوائلها، إذ كان يأتي بقصص رستم واسفنديار، حتى أذا وجد النبي في مجلس من مجالس قريش يدعوهم إلى دينه الجديد، جاء هو وقرأ عليهم تلك القصص زاعمًا أنها أفضل مما جاء به الرسول عليه السلام. فهلال يتخذ من هذا شاهدًا على تسرب قصص "الشهنامة" إلى بلاد العرب في تلك الفترة المبكرة من تاريخها.

وفي حديثه عن "ألف ليلة وليلة" نجده يشير إلى ما استقاه كتابها من العناصر الفارسية، والهندية والإغريقية، مع تغليب العناصر الفارسية، وإن يكن قد أبرز أيضًا ما يفيض به ذلك العمل من إبداعات عربية ومصرية، أضيفت إلى أصله الأجنبي.

وفي المقالة الثامنة من كتاب (الفهرست) لابن النديم، وتحت عنوان "الفن الأول في أخبار المسامرين، والمخرفين وأسماء الكتب المصنفة في الأسمار"، يطالعنا هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015