وكانت الأدوات المستخدمة في هذا قديمًا هي الحجر، وجدران الكهوف، والجلود، وجذوع الأشجار، وكل ما يمكن الاستعانة به في هذا الصدد، وأنه كان وما زال يتغي التسلية والتعليم والدعاية ونشر القيم التي يتمسك بها المجتمع، فضلًا على التضليل أيضًا في بعض الحالات، وأن الرواية فن مرن منفتح غير جامد، فهي كما تكتب نثرًا قد تكتب شعرًا، وهي قد تكون طويلة كما قد تكون قصيرة أيضًا.
والمهم ألا تبلغ من القصر ما يحول دون إصدارها في كتاب على حدة، وهي تتأبى على الشكل المحدد، والأسلوب المحدد والموضوع المحدد على عكس الأشكال الأدبية الأخرى، فضلًا على أنها تتسع لعناصر غير قصصية: كالرحلات والتراجم، والتاريخ والصحافة، وهذا هو السبب في أنها استطاعت أن تزيح الأجناس القصصية الأخرى، وتحل محلها.
لكني لا أحب أن يكون الكلام هكذا، وأوثر أن يقال: إن الرواية مجرد شكل من أشكال الفن القصصي المتعددة؛ كالملحمة والرومانس التي تشبه عِندنا السيرة الشعبية، إذ العناصر في كل هذه الأشكال -ولا أقول الأجناس- واحدة، ألَا وهِي الأحداث والشخصيات، والحوار، والزمان والمكان، والحبكة.
أما أن الملاحم مثلًا كانت تقوم على الخرافات والخوارق وما إلى هذا، على حين أن الرواية وهي فن علماني لمجتمع علماني، كما جاء في المادة المخصصة لها في قاموس "أكسفورد" الأدبي تتغي الواقعية، فالرد على ذلك شديد السهولة؛ إذ إن القدماء لم يكونوا ينظرون إلى تجسد الآلهة وتعددهم، وتصرفهم كما يتصرف البشر، وتخلقهم بأخلاق البشر، وتزاوجهم فوق ذلك مع البشر، ولا إلى الخوارق والمعجزات، والغرائب والوقائع، والشخصيات الأسطورية على أنها أمور غير حقيقية، بل على أن هذا هو الواقع الفعلي.