والسؤال الآن هو: هل عرف أدبنا العربي القديم هذا الفن الأدبي؟ والجواب هو أنه لم يعرف فن المَسرح الذي نعرفه الآن، وإن كان قد عرف بعض أشكال أخرى ساذجة، لا تخلو من بعض العناصر التمثيلية كالذي كان يصنعه أحد المتصوفة في عصر المهدي الخليفة العباسي، إذ كان يأتي برجال فيجلسهم أمامه، واحدًا بعد الآخر بوصفهم صحابة رسول الله، ثم يأخذ في تعداد أعمال كل صحابي جالس أمامه، ومآثره لينتهي قائلًا لمن حوله: اذهبوا به إلى أعلى عليين.

وفي القرن الثالث الهجري أيام "المعتضد بالله العباسي" كان هناك اسمه "المغازلي" يستطيع تقليد الشخصيات المختلفة "كالإعرابي" و"الزنجي" مع تقديم بعض المشاهد الصادقة من حياتهم وتصرفاتهم, ولدينا أيضًا "خيال ظل" الذي برع فيه "ابن دانيال" في القرن السابع الهجري، وهو لون من الفن التمثيلي، وإن لم يكن الممثلون بشرًا بل أشكال على هيئة الرجال والنساء، مصنوعة من الجلد أو من الورق المقوى، ووراءها نورٌ يُظهر ظِلالها على ستارة تنصب بينها وبين المشاهدين، في الوقت الذي يُحرك تلك العرائس الورقية أو الجلدية رجل ماهر على النحو الذي يتطلبه الدور.

وكان هُناك في مصر قبل ابتلائها بالحملة الفرنسية ممثلون مسرحيون فكاهيون، هم الحكاواتيون يؤدون أدوارهم في الأماكن العامة، أو في بيوت الكبراء, كما اكتشف نصان مسرحيان عاميان بعنوان: "سارة وهاجر" و"سعد اليتيم" ما زالا يُقدمان حتى اليوم في قرى الفيوم عند الاحتفالات الشعبية.

ولا ننسى تمثيلية خروج "الحسين" من المدينة قاصدًا العراق، ذلك الخروج الذي انتهى بمقتله في كربلاء -رضي الله عنه- إذ كانت الشيعة منذ القرن السابع الهجري تحتفل به، وتمثل ما حدث في تلك الواقعة، وهو ما يطلق عليها التعازي الشيعية, وفيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015