ومنظومة (الحنفية) وغير ذلك من الطب وغيره من العلوم، فكثير جدًّا إلى الغاية التي لا يحيط بها الوصف".
إذًا؛ ففي أدبنا الفصيح القديم لا وجود لهذا الفن الشعري، ولكنا لدينا مع هذا ما يسمى بالسير الشعبية كـ"سيرة عنترة" و"سيرة سيف ابن ذي يزن" و"السيرة الهلالية" و"سيرة ذات الهمة" و"سيرة حمزة البهلوان" و"سيرة فيروز شاه" و"سيرة علي الزيبق" و"سيرة أحمد الدنف" وهي تقترب جدًّا من فن المَلحمة؛ فهي قصص، وهي شديدة الطول حتى لا تتجاوز سيرة عنترة مثلًا ثلاثة آلاف صفحة وخمسين.
إلا أن هذه السير ليست مصوغة كلها شعرًا بل هي عمل نثري في المقام الأول، تكلله الأشعار على ألسنة بعض أبطالها، مع تفاوت في مقدار هذا الشعر بين سيرة وأخرى, ومع هذا؛ لا يَصِحُّ أنْ نُغفل أنها مصبوبة في قالب السجع الذي يقترب خطوة من الشعر، أي أن أسلوب السيرة النثري ليس خاليًا من النغم هو أيضًا، كذلك لا يوجد لها مؤلف معين؛ إذ هي من إبداع المخيلة الشعبية.
ولعلنا لم ننسَ أن الملاحم الأولى الموغلة في القدم هي أيضًا عارية عن أسماء مؤلفيها، بل إن من الدارسين من ينفي أن يكون "هوميروس" هو صاحب "الإلياذة" قائلًا: إنها عمل شعبي عام اكتمل على مدار الزمان, ومن هنا كان أسلوب السير الشعبية مختلفًا عن أسلوب الأدب الرسمي، رغم أنها مكتوبة بالفصحى؛ إذ هي فصحى تنفح بالنكهة الشعبية من حيث بساطتها، وعدم احتفالها بالصياغة اللغوية بوجه عام.
وفوق ذلك: ففي السير تداخل بين الأماكن والأحداث، والأزمنة التاريخية، كما هو الحال مثلًا في "سيرة عنترة" حيث نرى "عنترة" في اليمن، وفارس، والشام