فكان من جراء ذلك أن ألف صلاح الدين الصفدي كتابه (نصرة الثائر على المثل السائر) للرد على بعض ما جاء في كتاب ابن الأثير السابق الذكر، كما هو واضح من عنوانه. وهذا الرد يجري على النحو التالي: "قد ختم ابن الأثير -رحمه الله تعالى- كتابه بهذه النكتة التي مال فيها إلى الشعوبية، وما قال معمر بن المثنى، ولا سهل بن هارون، ولا ابن غرثية في رسالته مثل هذا.
وقد وُجِد في أهل اللسان العربي من نظم الكثير أيضًا، وإنْ عد هو "الفردوسي" عددت له مثل ذلك جماعة منهم من نظم (تاريخ المسعود) نظمًا في غاية الحسن، ومنهم من نظم كتاب (كليلة ودمنة) في عشرة آلاف بيت، ونظمها "أبان اللاحقي" أيضًا، وأخبرني الشيخ الإمام الحافظ "شمس الدين أبو عبد الله محمد الذهبي" أن "مكي بن أبي محمد بن محمد بن أبيه الدمشقي" الذي كان يعرف بـ"ابن الدجاجية" نظم كتاب (المهذب) قصيدة على روي الراء، سماها "البديعة في أحكام الشريعة" انتهى.
قلت -هذا كلام الصفدي-: و (المهذب) في أربع مجلدات، وبعض المغاربة امتدح سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قصيدة عدتها ثمانية عشر ألف بيت, ولابن الهبارية كتاب (الصادح والباغن) في ألفي بيت كل بيت منها قصر مشيد، ونكته عليها من الحسن مزيد، يشتمل على الحكايات والنوادر والأمثال والحكم، وكلها في غاية الفصاحة والبلاغة، ليس فيها لو ولا ليت. وأما من نظم الألف وما دونه؛ فكثير جدًّا لا يبلغهم الحصر.
وأما (الشاطبية) وما اشتملت عليه معرفة القراءات السبع واختلافاتها، وتلك الرموز التي ظاهرها الغزل وباطنها العلم، فكتاب اشتهر وظهر، وخلب سحره الألباب وبهر، وأما أراجيز النحو والعروض، والفقه كالذي نظم (الوجيز)