الإنترنت- قد قرَّبَ المسافات بين الناس، وجعل الاتصال بين أي فرد وآخر في العالم في منتهى السهولة، دون أن يكون بالضرورة من وطن واحد أو دين واحد أو أصحاب لغة واحدة.

ولكن هل يعني هذا أنه سوف تكون هناك مساواة بين الثقافات والجنسيات واللغات المختلفة؟ لا نظن ذلك، إذ لا شك أن أية علاقة بين طرفين إنما تعكس قوة كل طرف بالنسبة إلى الآخر، وليس من المعقول أن يتنازل الطرف القوي أو الأقوى عن ميزته ويسوي نفسه بالطرف الآخر، لا لشيء إلا لكي يكون مخلصًا لمفهوم العولمة، ذلك أننا لا نحيا في عالم من الملائكة، بل في عالم من البشر، فيه من النزوع إلى السيطرة والتعصب لما يخصهم، والرغبة في استدامة ما يميزهم عن غيرهم. فتلك طبيعة البشر: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر: 43).

وكما أن الدول الكبرى -وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية- تعمل على السيادة على الدول الأخرى في مَيْدان الاقتصاد والسياسة، فما الذي سوف يجبرها على أن تتخلى عن رغبتها تلك في ميدان الثقافة والآداب؟

بل إننا في ميدان اللغة نرى بأم أعيننا كيف أن السيادة في عالم السياسة والإنترنت وغيرهما هي اللغة الإنجليزية، وهو ما لا يمكن أن يتنازل عنه أصحاب هذه اللغة أبدًا، فيسووا بين لغاتهم وسائر لغات العالم، وهذا إن كان لكل لغة من المقومات والمؤهلات ما نجعلها تنجح في الوضع الراهن دفعةً واحدةً في مجال التسوية، ولا نظن ذلك، إذ ليس من المعقول أن ترتقي كل اللغات والثقافات والأمم دفعةً واحدةً إلى المستوى الذي بلغته اللغة الإنجليزية في هذا المجال عبر أزمان طويلة.

ونحن حين نقول ذلك لا نقصد أن اللغة الإنجليزية أفضل من غيرها من اللغات في حد ذاتها، فأنا -مثلًا- أؤمن أن العربية أفضل منها وأكثر ثراءً من ناحية المزايا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015