المعري ولا يتقصاها بعد أن أثبت الخبر، فأهم من ذلك كله أن حاكم حلب قرر أن يختن غلمانه، فكان ذلك أحكمَ قرارٍ سياسي يتخذه.
وحديث المعري عن الأمة في مواجهة العدوان والاستعدادات لمقاومة الغزو المحتمل، كوميديا لغوية راقية، ففي هذه الرسالة شبه المجهولة يسيح المعري في الشمال السوري؛ ليعدد عوامل انتصار حاكم حلب الذي يتلهى بالعَروض والعدو على أبواب القلعة، فيجد أن النصر مضمون لغويًّا؛ لأن العدو حين يصل النيرب -وهي ضاحية من ضواحي حلب الحمدانية- ستصيبه الهزيمة حتمًا؛ لأن نيرب تعني في اللغة الداهية، وإذا مر جيش العدو بأرميناز -وهي بلدة قريبة من معرة النعمان- فالنصر مضمون؛ لأن أصلها إرميناز أي: غُلب فسكت، وعلى طريق الروم من أنطاكيا إلى حلب بلده تضمن النصر الأكيد لعز الدولة، وهي "بلانياس" المؤلفة كما يقول المعري من بلاء ويأس، وهي غير "بانياس" الساحل وهكذا.
وكانت الأمة أثناء كتابة هذه الرسالة التجريبية على السخرية تغط في نوم عميق، وشبابها في كل مكان سادر في غطيطه؛ لأنه كان كحالنا في بعض أقطارنا هذه الأيام، محكوم عليه بالنفي والاغتراب وعدم المشاركة السياسية، فهو كعنترة يدعى إلى الحرب ولا يدعى إلى المجالسة والمسامرة في أوقات اتخاذ القرارات الكبرى.
مما سبق يتبين أن المعري والشاعر الفرنسي لا يتشابهان إلا التشابه العام الذي نوَّهت به قبل قليل، وأنه لم تكن هناك في حدود علمنا صلة تأثر وتأثير بين الشاعرين، اللهم إلا إذا ثبت في مقبل الأيام أن "لافنتوين" قد اطَّلع رغم هذا على كتاب المعري وتأثر به على نحو أو آخر كما تأثر بـ (كليلة ودمنة) مثلًا حسبما قرأنا في إقراره ونفسه بذلك.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.